التقدير الإلهي فابتلاؤهم في الحقيقة لم يكن مجازاة بأعمال آبائهم وأمهاتهم، حتى يتوجه الإشكال المذكور، بل بحسب المصالح الواقعية الثابتة في كل أمر مقدور وهذا مما استفدناه من بعض خصيصي الأصحاب، فتح الله له الخير في كل باب.
الأمر الثاني: مما يستفاد من ذاك الحديث الشريف هو وقوع البداء في بعض المقدرات، ويدل عليه أيضا كثير من الروايات، بل هو من جملة الضروريات عند الإمامية، بل هو مما يعرفون بالاعتقاد به عند مخالفيهم، وذكر هذه المسألة تفصيلا خارج عما نحن بصدده، فلنذكر خلاصة ما استفدناه من الأخبار وكلام العلماء الأخيار.
فنقول: إن المراد بالبداء هو أن يقدر الله عز وجل شيئا، ثم يقدر خلافه. وهذا أمر ممكن عقلا، وواقع نقلا، لعموم قدرته تعالى ودوام قدرته، ولدلالة الآيات القرآنية، والأخبار المتواترة. وإنما أنكره المخالفون زعما منهم أن ذلك يستلزم أن يكون الله عز وجل جاهلا بالأمر الثاني غافلا عن مصلحته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
- ولهذا ورد في رد زعمهم هذا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له، وفي معناه أخبار عديدة مروية في أصول الكافي (1) وتوحيد الصدوق (2) والبحار وغيرها.
وتحقيق الكلام في ذلك بحيث يرتفع غواشي الأوهام عن وجوه الأفهام أن يقال: إن الأمور كما ورد في الأخبار على قسمين: محتومة وموقوفة، والمراد بالمحتومة ما لا يكون تحققها وجودا أو عدما موقوفا على شئ، بل قضاها الله تعالى وأمضاها، وحتمها، وبالموقوفة ما يكون وجودها أو عدمها موقوفا في علم الله تعالى على حصول شئ أو انتفاء شئ.
وهذا القسم أيضا على قسمين:
أحدهما: ما بين الله تعالى لأنبيائه أو ملائكته أو أوليائه (عليهم السلام) كونه موقوفا.
والثاني: ما لم يبين لهم ذلك، بل هو محتوم في نظرهم وعلمهم، ولكنه موقوف في علم الله عز وجل، والبداء الذي نقول به ودلت عليه الروايات المروية عن أئمتنا (عليهم السلام)، إنما هو في