مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٣٥١
الأولاد ألذ للإنسان بل للحيوان، من تنعم نفسه بهذا الإحسان، حيا كان أو ميتا.
- كما ورد أن أرواح المؤمنين الذين يأتون لزيارة أولادهم إذا رأوهم بخير فرحوا وإذا رأوهم في شدة وضيق حزنوا، إلى غير ذلك مما يدل عليه.
وأما تعذيب الأولاد بسبب ما صدر عن الآباء والأمهات، فهو مما لا يساعد عليه العقل، ولا الكتاب العزيز.
أما العقل: فلأنه ظلم في نظره، ولا ريب في قبحه على الله عز اسمه، وأما كتاب الله عز وجل فقد قال الله تعالى (1) * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *.
قلنا: إن ابتلاء الناس بالبليات والآفات قد يكون لتكفير خطيئاتهم وسيئاتهم وقد يكون لرفع درجاتهم وزيادة مثوباتهم فيمكن أن يعذب الله تعالى بعض عباده ببعض المصائب والمحن والآفات ويجعل ذلك كفارة لذنوب الآباء والأمهات بسبب تألمهم لابتلاء أولادهم بتلك المصيبات، ثم يخص هذا العبد المصاب بأنواع من النعم والثواب، لابتلائه في دار الدنيا بتلك الهموم والبليات وهذه عناية حسنة، ومبادلة مستحسنة، وليس في ذلك شئ من خلاف العدل والإحسان، بل هو نوع إحسان إلى الإنسان من الخالق المنان.
- ويدل على ما ذكرناه في هذا المقام قول مولانا الصادق (عليه السلام) في جواب مفضل بن عمر الذي هو من خواص صحبه الكرام فإنه (عليه السلام) بعد ما بين له منافع حواس الإنسان ومضار فقدها بأحسن بيان، قال المفضل: فقلت: فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي؟ قال (عليه السلام): ذلك للتأديب والموعظة، لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه، كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم، بل يحمد من رأيهم، ويصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت، إن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها، حتى إنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب، الخبر.
ويمكن أن يقرر الجواب بوجه آخر فيقال: إن الله عز وجل، قد قدر بمقتضى حكمه ابتلاء هؤلاء الأولاد بمصائب وبليات، لكن قد جعل اندفاع تلك البلايا عنهم موقوفا على صدور بعض الأفعال عن آبائهم وأمهاتهم، أو صدور بعض الأفعال عنهم، فلما لم يقع الشرط، جرى

(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»