أهلك قومه فأخبر أصحابه، فافترقت الفرقتان ثلاث فرق: فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه، حتى فعل ذلك نوح (عليه السلام) عشر مرات، وفعل الله ذلك بأصحابه الذين يبقون معه فيفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك، فلما كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلص المؤمنين فقالوا: يا نبي الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل فأنت صادق نبي مرسل لا نشك فيك، ولو فعلت ذلك بنا. قال: فعند ذلك أهلكهم الله لقول نوح، وأدخل الخاص معه في السفينة فنجاهم الله تعالى ونجى نوحا معهم بعدما صفوا وهذبوا وذهب الكدر منهم (1).
(وفيه) عن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال فانبذوه إليهم نبذا، فمن أقر به فزيدوه ومن أنكره فذروه، إنه لا بد أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا (2).
(وفيه) أنه دخل على أبي عبد الله بعض أصحابه فقال له: جعلت فداك، إني والله أحبك وأحب من يحبك يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال (عليه السلام): أذكرهم؟ فقال: كثير. فقال: تحصيهم؟
فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته وسمعه ولا شجاؤه (3)، ولا يمدح بنا غاليا ولا يخاصم بنا واليا ولا يجالس لنا عايبا ولا يحدث لنا ثالبا ولا يحب لنا مبغضا ولا يبغض لنا محبا. فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون أنهم يتشيعون؟
فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم، إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعا. جعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟
فقال: أطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم