جرعناها من أذاهم ليست إلا بما كسبت أيدينا، فإنا لم نخلص أعمالنا فأخرنا ظهورك، فنحن السبب في استتارك. إلى قوله في السيمان السابع والعشرين في الباسوق السابع والعشرين في خطاب شعيا لقومه: يا قوم ادخلوا مساكنكم وأغلقوا عليكم أبوابكم مدة انقضاء الغضب، فإن هذا نور الله سيظهر لديوان العاصين وقلعهم من الأرض رادا عصيانهم إليهم، وستظهر الأرض حينئذ دماءها وقتلاها وسينتقم يومئذ نور الله عنهم، أي الجبابرة والقتلة بسيفه القوي الشديد، وفي العبارة: وينتقم عن ليوياتان، وليوياتان يطلق في اصطلاحهم بالعبري تارة على: بالإجماع والاتفاق، وتارة على: التحالف والتواخي في الخدعة والاحتيال، مأخوذ من ليوتان وهي الآلة الملتفة طرفاها بها تجذب الأشياء من العالي إلى السافل، محتوية بالعقد وزيادة الاعوجاج، والمراد انتقامه من هؤلاء، إلى قوله: وسيطلب نور الله بستانه وحديقة مهره وصداقه إلى باسوق آخر بعده، وإني أحافظها وأتعوض بها ما عصبته واجتلبته الليوياتان (1).
أقول: فالمنصف لو تأمل فيما ذكرت من الآيات يرى أن ما أخبر به نبينا في ولده وقضية ليوياتان صريح في اتفاقهم وعهدهم ومواخاتهم في غصب حقوق آباء الحجة المنتقم عجل الله فرجه، وطلبه البستان والحديقة في فدك التي غصبها وحازها الليوياتان الآخرين صريح في المقصود، سيما بعد ضميمة ما يظهر من كلام شعيا في السيمان الثاني والثلاثين (2) من كتاب من أول الباسوق إلى آخره ما خلاصته ومحصله: إنه يقوم في سلطنته بالعدل، وأبناء السلاطين أقرب من بحضرته، ويكون يومئذ يوما يكون فيه ذلك الرجل - ولعل المراد بالرجل هو الليوياتان - كالمنهزم من الطوفان، ينهزم من مكان إلى مكان مختفيا هاربا من الرعد والبرق وما نزل من الحدثان، ويكون ذلك السلطان منقذا كالشط الجاري للظامئين في العطش الشديد، أو كظل شجرة عظيمة في القفز، فلا ينصدع يومئذ العيون وتقرب الأذان بالسماع والقلوب بالإدراك، ويتكلم ويفصح الأخرس ولا يأتم الجاهل الغبي ولا يستعظم المنافق الشقي، إلى قوله: فيمهد للمنافق بئس الأوقات وأسوأ الساعات، لأن فكره دائما لإضاعة الحقوق وتكلمه بكلمات لأذية المظلوم.