مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢١١
فصل (علم الإمام عليه السلام بما كان ويكون) وإيضاح هذا المشكل أن الله سبحانه لما أراد أن يخلق هذا العالم خلق اللوح والقلم وكتب فيه من الغيب ما يتعلق بهذا العالم وبذلك، ورد الأثر من قوله: جف القلم بما هو كائن (١) وقوله: فرغ الله من حساب خلقه، ثم بعث إليهم من الهداة والولاة، وأوحى إلى كل نبي ورسول ما يحتاج إليه أهل زمانه من العقائد والشرائع، مما قضاه وقدره مما يعرف منه ويعبد، حتى ختم الوجود بمحمد كما افتتح به الوجود، والفاتح الخاتم يجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون، لأنه منه البداية وإليه النهاية، لأن الواحد أول العدد ومنتهاه، فوجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون، مما كتب في اللوح وإلا لزم العبث أو الظلم.
فجملة ما صار إلى الأنبياء وما خفي عنهم مما كتب اللوح، وجرى به القلم صار إلى سيد الأولين والآخرين، وجميع ما صار إليه وحيا وإلهاما ومشاهدة في المقام الأعلى والخطاب الرباني بغير واسطة صار إلى وصية القائم بدينه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم إلى عترته الأبرار وخلفائه الأطهار، وقد صرح القرآن بذاك من قوله: ﴿وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين﴾ (٢) ودل عليه قوله الحق: أعطيت ألف مفتاح من العلم يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف عهد، وصار ذلك في الأوصياء من بعدي إلى آخر الدهر (٣).
فمن أنكر بعد هذا الشاهد الحق علم الغيب للإمام، وخالف بعدما وضح من البرهان المبين، فقد كذب بالقرآن، وكفر بالرحمن، وكفى بجهنم سعيرا.
فصل يؤيد هذا المدعى والشاهد قوله سبحانه: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، وقوله: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ (4)، قال: فيها يقدر الله ما يكون من الحق والباطل في تلك السنة، وله فيها المبدأ

(١) بحار الأنوار: ٢٨ / ٤٨ ح ١٤ بلفظ: بما فيه.
(٢) النمل: ٧٥.
(٣) بحار الأنوار: ٢٧ / ١٦٠ ح ٩ والحديث طويل.
(٤) الدخان: ٤.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 208 209 211 212 213 214 215 216 ... » »»