العنان، وهذا الحديث يشهد للولي أنه عالم بكل العالم لأن العالم أول الموجودات وأعلاها، وفيه علم سائر الأشياء ومبدؤها ومنتهاها، وإذا كان موكلا باللوح وعالما بما في اللوح، وواليا على اللوح، فهو عالم بما تحت اللوح ضرورة، والعالم بأجمعه تحت اللوح فهو إذا عالم بسائر العالم، ودال على سائر المعالم، دليل ذلك قولهم الحق: (ما منا إمام إلا وهو عالم بأهل زمانه) (1). فالعلم فيهم ومنهم وعنهم، والقرآن عندهم وإليهم، ودين الله الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله وملائكته منهم وعنهم، وإليه الإشارة بقوله سبحانه شهادة لهم: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (2) والكتاب المبين هم وعندهم ومنهم وعنهم. يؤيد هذه المقولات البينات، قوله صلى الله عليه وآله: أول ما خلق الله اللوح، ثم خلق القلم، ثم أشار إلى نهر في الجنة أن أجمد فجمد وصار مدادا، ثم قال له: أكتب. فقال: ربي وما أكتب؟ فقال: ما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة (3).
واشترط فيه البداء وهو النسخ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وصار علم اللوح إلى النبي صلى الله عليه وآله ثم إلى الأوصياء إلى آخر الدهر، وذلك لأن ما في اللوح إن كان الخلق لا يحتاجون إليه فما الفائدة في سطره؟ وإن كان محتاجا إليه وهو محجوب عنهم فالحكمة لا تقتضي حجب الفوائد، وإن كان غير محجوب فإما أن يعلمه الخاص دون العام أو كلاهما معا؟ فإن علمه الخاص فخاصة الله وآل محمد، وإن علمه العام فما يعلمه العام، فالخاص بعلمه أولى، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال:
علام أسرار الغيوب ومن له خلق الزمان ودارت الأفلاك