مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢٢٠
علم شيئا دون شئ لاتصف بالعلم تارة وبالجهل أخرى، فكان جاهلا وهو عالم، هذا خلف، ولو جهل لارتفعت الولاية والعصمة، ما اتخذ الله وليا جاهلا قط، فيلزم لو جهل عدم الولي أو كونه جاهلا وهو محال، فيكون عالما بالكل وهو المطلوب، وإليه الإشارة بقول ابن أبي الحديد في مدحه له عليه السلام:
وذو المعجزات الباهرات أقلها * الظهور على مستودعات السرائر (1) دليله قوله الحق: (أنا الهادي بالولاية) (2) فهو عليه السلام غيب الله المكتوب، وعلمه المنصوب، وخزانة غيبه في سماواته وأرضه، ووارث أسرار نبيه، فهو الإمام المبين الذي كلفه الله هداية الخلق، وقضى فيه كل شئ فكل علم نزل إلى النبي صلى الله عليه وآله فهو عنده ومنه وفيه، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله:
(أنت مني وأنا معك سري وعلانيتي، وأنت روحي التي بين جنبي، لحمك لحمي، ودمك دمي، وما أفرغ جبرائيل في صدري حرفا إلا وقد أفرغته في جوفك) (3) (4).
وهذا كلام عظيم يصرح لعلي بالتشريف والتعظيم، والتفضيل والتقديم، حيث هو قسيم بنعمة النبي الكريم، وشقيق نور الرؤوف الرحيم، فهو منه في النور والروح والطينة، والظاهر والباطن، ولا فوق هناك إلا النبوة، وهو الآيات والمقامات والكلمات التامات، والأنوار الباهرات تقصر القول عن معرفة أسرارها، وتعمى عيون الأفهام عن بوارق أنوارها، سر الرحمن الرحيم، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، ومن أنكر أن الإمام يعلم الغيب أنكر إمامته، ومن أنكر إمامته لا يبالي محو المحكم من كتاب الله أو جحد نبوة الأنبياء، وزعم أنه ليس إله في السماء، فوجب أن يعلم الولي أهل ولايته أحياء وأمواتا، وإلا لكان عالما في وقت دون وقت وهو محال، لأن الولي هو الإنسان الكامل، فكيف يكون كاملا ناقصا، هذا خلف؟

(١) الإمام علي للهمداني ط طهران.
(٢) بحار الأنوار: ٢٦ / ١٥٣ ح ٤١ بتفاوت.
(٤) نفحات السرار باختصار ٤ / ٣١٦ وفي لفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته عليا) تفسير نور الثقلين: ٤ / 379 ومناقب ابن المغازلي: 50 ح 73.
(1) الإمام علي للهمداني ط م طهران
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 225 226 ... » »»