كان فيها، وأعطاني براءة منها، ثم دعا بصناديق ماله فناصفني عليها، ثم دعا بدوا به فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة، ثم دعا بغلمان، فجعل يعطيني غلاما ويأخذ غلاما، ثم دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوبا ويعطيني ثوبا، حتى شاطرني جميع ملكه ويقول: هل سررتك؟ فأقول: إي والله وزدت على السرور.
فلما كان في الموسم قلت: والله لا كان [جزاء] (1) هذا الفرح بشئ أحب إلى الله ورسوله، من الخروج إلى الحج، والدعاء له، والمصير إلى مولاي وسيدي الصادق عليه السلام وشكره عنده، وأسأله الدعاء له، فخرجت إلى مكة وجعلت طريقي إلى مولاي عليه السلام، فلما دخلت عليه رأيته والسرور في وجهه، وقال لي: " يا فلان، ما كان من خبرك مع الرجل؟ " فجعلت أورد عليه خبري، وجعل يتهلل وجهه ويسر السرور، فقلت: يا سيدي، هل سررت بما كان منه إلي؟ سره الله تعالى في جميع أموره، فقال: " إي والله سرني؟ والله لقد سر آبائي، والله لقد سر أمير المؤمنين، والله لقد سر رسول الله صلى الله عليه وآله، والله لقد سر الله في عرشه " (2).
تم الحديث والحمد لله رب العالمين.
روي أن رجلا كتب إلى رجل من ولاة العراق، يشفع في الفرزدق وقد طلبه فهرب منه:
أما بعد، فإن هذا البطن من قريش، قد غرسوا شجرة الحلم فتفرعت أغصانها عن الكرم والعلم والصدق والوفاء، ثم اجتنى كل منهم من ذلك على عظم قدره وعلو همته، وإنك أطولهم باعا، وأحسنهم عمودا، وأجزلهم وفودا، ولو قلت: إن لك ثلثي ذلك الفضل لكان، بل لك ذلك كله، لأنك أهله ومعدنه، وفيه غرس أصلك، وعليه تفرع فرعك، وعليه تهدلت غصونه.
وبعد، فلولا عظم جرم الفرزدق، لم يضق عنه حلمك على عظمه، وسعة صدرك، وكبر صبرك، وكظم غيظك، لكني أحسبك أردت بإخافته تأديب رعيتك، كيما لا يجتروا على ارتكاب ذنب طمعا في العفو، ولنعم مؤدب الرعية وسائسها أنت، وإنما يذهب الغيظ الظفر، والحقد الحلم، ويطيب النفس الرغبة في ثواب ذلك، وقد