أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٩١
قال الله سبحانه: ﴿وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ (١) وقال سبحانه: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ (2) وقد ظفرت به، وذل لك مطلبه، واستخذى (3) إليك طمعا في عفوك، ورجاء لحلمك، والحلم والكرم والعفو والصفح خلق قرشي، وسجال هاشمي، وحلة يلبسها البر الكريم جميلة، وقد أوطأته ربعك الفسيح، وجنابك السميح، وضمنت له عليك الوفاء، حتى يرد كتابك بذلك إن شاء الله تعالى.
فلما قرأه كتب إليه: أما ما ذكرت من حسن وخير وجميل، ووصفت من كرم، فأنت المقدم فيه والسابق إليه، بل أنت أصله، وبك يصح معناه، وما ذكرت من أمر الرعية، فإنه كذلك لأن الليث لا يفرق إن لم يفترس، وبالمهابة يمكن الجموح من عنانه، ولقد أحسن لنفسه الصنيعة إذ لجأ إليك، وإنما هرب ليعلم أنه خطر بالبال، وقد أردت أن يبين طريدا شريدا، لا يطعم الغمض، ولا يأمن من الخوف، حتى ورد كتابك شافعا فيه، فأمانك أماني، وعفوك عفوي، وأمرك أمري، فإني لا أخيف من آمنته، ولا أرهب من أجرته ومنتك في الطلب إلينا العفو عنه، أفضل وأعظم من منتنا بإسعافك بالإجابة إلى ما سألت، أدام الله نعمتك وسلامتك.
وروي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه، فإذا لقيته خير من أن تجربه، ولو جربته أظهر لك أحوالا، دينهم دراهمهم، وهمتهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى، لا مسلمين ولا نصارى " (4).
من كلام العباس بن عبد المطلب رحمه الله وقد جاءه أبو سفيان والزبير، فعرضا عليه النصرة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله فقال لهما: قد سمعنا مقالتكما، فلا لقلة نستعين بكما، ولا لظنة نترك رأيكما، لكن لالتماس الحق، فأمهلانا نراجع الفكر، فإن

١ - النور ٢٤: ٢٢.
٢ - آل عمران ٣: ١٣٤.
٣ - استخذى: خضع. " الصحاح - خذا - ٦: ٢٣٢٦ ".
٤ - أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٤: ١٦٦ / 31 عن أعلام الدين.
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»