وقال عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: " واحذر أن يدركك الموت وأنت على (1) حال سيئة، قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك فإذا (2) أنت قد أهلكت نفسك.
يا بني، أكثر من ذكر الموت، وما تهجم عليه وتصير إليه بعد الموت، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبأك الله عنها، ونعت هي نفسها لك، وتكشفت عن مساوئها، فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، يأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، نعم معقلة (3) وأخرى مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها، ليس لها راع يقيمها، ولا مسيم يسيمها، ركبت بهم سبيل العمى، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها، واتخذوها ربا، فلعبت بهم ولعبوا بها، رويدا يسفر الظلام فكأن قد وردت الأظعان، يشك من أسرع أن يلحق.
واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار، فإنه يسار به وإن كان واقفا، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا.
واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك، فخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب، فرب طلب قد جر إلى حرب (4)، فما كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم، فأكرم نفسك عن كل دنية، وإن ساقتك إلى الرغائب، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير خير لا يوجد إلا بشر، ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك موارد الهلكة، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله، أكبر وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كل منه.
وتلا فيك ما فرط من صمتك، أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ