أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٨٨
ظلمك، فإنه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
واعلم - يا بني - أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى! إنما لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، وإن جزعت على ما تفلت من يدك، فاجزع [على] (1) كل ما لم يصل إليك. استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه، ولا تكونن ممن لا تنفعه (2) العظة، إلا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب. إطرح عنك واردات الأمور (3) بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد جار. الصاحب مناسب، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى. رب بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله سبحانه، ومن لم يبالك فهو عدوك. قد يكون اليأس إدراكا، إذا كان الطمع هلاكا. ليس كل عورة تظهر، ولا كل فرصة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
أخر الشر، فإنك إذا شئت تعجلته. وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه. ليس كل من رمى أصاب. إذا تغير السلطان تغير الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا، وإن حكيت ذلك عن غيرك.
وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن، وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن أشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها أن تشفع لغيرها، وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم، والبريئة إلى الريب.

1 - أثبتناه من نهج البلاغة.
2 - في الأصل زيادة: في.
3 - في نهج البلاغة: الهموم.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»