أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٨٧
ما في الوعاء بشد الوكاء، وحفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع فيما يضره، من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر، قارب أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم. إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا. وربما كان الدواء داء والداء دواء، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح.
وإياك والإتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى (1). والعقل حفظ التجارب.
وخير ما جربت ما وعضك. بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب، ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد، ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطر، ورب يسير أنمى من كثير، لا خير في معين مهين، ولا في صديق ظنين. ساهل الدهر ما ذل لك قعوده (2)، ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج.
احمل نفسك من أخيك عند صرمه على (3) الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله. لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة، وتجرع الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة، ولن لمن غالظك، فإنه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين، وإن أردت قطيعة أخيك، فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما، ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه، ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من (4) أضعت حقه، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك، ولا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا يكبرن عليك ظلم من

1 - النوكى: جمع أنوك، وهو الأحمق " الصحاح - نوك - 4: 1612 ".
2 - القعود من الإبل: البكر حين يمكن ظهره من الركوب. " الصحاح - قعد - 2: 525 ".
3 - في الأصل: عن، وما أثبتناه من نهج البلاغة.
4 - في الأصل زيادة: لك.
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»