في الظاهر، لا تدرك حركتها بالبصر، ولكن بالبصيرة، ولقد أحسن من وصفها بقوله فيها:
أحلام نوم أو كظل زائل * إن اللبيب بمثلها لا يخذل وكان الحسن بن علي عليهما السلام يتمثل:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق فينبغي للعاقل أن يفرغ نفسه للتفكر في طريق الخلاص من الهلكة، فيتحرى سبل النجاة من أفعال الخير، والتوبة والندم على الذنوب، والعزم على ترك العود إليها، والصبر على بلاء الله، والرضى بقضاء الله، والتسليم لأمره، والشكر لنعمائه، والخوف والرجاء له، والزهد في الدنيا، والإخلاص في العمل، والصدق في القول، والجد في الطاعات، ويفكر كل يوم في قلبه، فينظر إلى الذي يقربه من هذه الصفات الجميلة فيتحلى به، وإلى ما يباعد صفتها فيتجافى عنه، ورأس ذلك التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور.
ثم لينظر في آيات الوعد والوعيد، والتشديد الذي ورد والترغيب، فيتحقق عند نفسه ذلك، فيزداد خوفا من الله ورغبة إليه، وإذا أراد أن يتبين له حال الشكر فلينظر في إحسان الله إليه، وإذا أراد أن يشتد خوفه فلينظر في ذنوبه ويتذكرها، ثم ينظر في الموت وكربته، والقبر ووحشته، واللحد وضغطته، ومسألة القبر ودهشته، ومنكر ونكير ونهرتهما، وفي هول النداء عند نفخة الصور، وهول المحشر، وجمع الخلائق في صعيد واحد، ليوم تشيب فيه الصغار، ويسكر الكبار، وتضع كل ذات حمل حملها، ثم في مناقشة الحساب على الفتيل (1) والنقير (2) والقطمير (3) والذرة (4) والخردلة (5)، وكتاب الله الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.