أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٣٩
ابن آدم فيها على خطر، وإن عقل فنظر، وهو من النعمان على خطر، ومن البلاء على حذر.
فلو كان الخالق (1) لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، لكانت الدنيا قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله - عز وجل - زاجر وفيها واعظ، ما لها عند الله - جل ثناؤه - قدر، وما نظر إليها منذ خلقها، ولقد عرضت على نبيك صلى الله عليه وآله بمفاتيحها وخزائنها - لا تنقصه عند الله جناح بعوضة - فأبى أن يقبلها، وكره أن يخالف على الله أمره، أو يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع، فزواها عن الصالحين اختيارا، وبسطها لأعدائه اغترارا، فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها، ونسي ما صنع الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه حين شد الحجر على بطنه، وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة ابن مريم عليه السلام كان يقول:
إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وصلائي (2) في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي القمر، ودابتي رجلاي، وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض، وليس لي زوجة تفتنني، ولا ولد يحرسني، وإني لأصبح وأمسي وليس في الأرض أحد أغنى مني (3).
وقال وهب بن منبه: لما بعث الله موسى وهارون إلى فرعون، قال لهما:
لا يروعكما بأسه، فإن ناصيته بيدي، ولا يعجبكما ما متع به من زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين، فلو شئت زينتكما بزينة يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عنها، لكني أرغب بكما عن ذلك، فأزوي الدنيا عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، أني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم سلوكها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن موارد العرة (4)، وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا، إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع، والخوف الذي يثبت في قلوبهم، فيظهر على أجسادهم، فهو شعارهم ودثارهم الذي يستشعرون، ونجاتهم التي بها

1 - في الأصل زيادة: يحبها.
2 - الصلاء: الاستدفاء، والمعنى أنه يتحرى مشارق الشمس على الأرض يستدفئ بها من البرد، انظر " القاموس المحيط - صلي - 4: 352 ".
3 - تنبيه الخواطر 1: 142.
4 - العر: الجرب " الصحاح - عرر - 2: 742 ".
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»