أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٤٥
بذل نفسه، فإنه لما كسر أصنام المشركين، أضرموا له النار وحذفوه إليها في المنجنيق، فعرض له جبرئيل عليه السلام في الهواء فقال له: ألك حاجة يا خليل الرحمان؟ قال:
إليك لا.
وأما بذله لولده، فإنه أضجعه للذبح كما حكى الله تعالى بقوله: ﴿فلما أسلما وتله للجبين﴾ (١) أسلم إبراهيم ولده للذبح، وأسلم إسماعيل نفسه.
وأما المال، فإنه لما اتخذه الله خليلا، قالت الملائكة: إلهنا اتخذت بشرا من الآدميين خليلا؟ قال سبحانه: إني اختبرته في نفسه فجاد بها، وفي ولده فجاد به، وقد بقي ماله فانزلوا الأرض فاختبروه فيه، فنزل نفر من الملائكة في شبه البشر، فعرضوا له وسلموا عليه، وقالوا: يا خليل الرحمان، إن نحن آمنا بك وصدقناك، فما لنا عندك؟
قال: لي العصا، ولكم الرعاء - يعني الأغنام - وكانت يومئذ كلاب غنمه اثنا عشر ألف كلب فما ظنكم بغنم كلابها اثنا عشر ألف كلبا كم تكون!؟ فجاد بالنفس والمال والولد، حتى قال الله تعالى: ﴿وإبراهيم الذي وفى﴾ (٢) فصدق الله في شهادته له ببذله نفسه وماله وولده.
ونحن نرجو المنازل العالية، ولا نعمل عمل أهلها، وما ذاك إلا لترك الخوف والافتكار فيما مضى من العمر في غير طاعة، وإنما السلامة غدا للخائفين المشفقين الوجلين، دل على ذلك القرآن المجيد، بقوله تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ (٣) وبقوله تعالى: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) (٤) وبقوله تعالى: ﴿وأقبل بعضهم على بعض يستاءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم﴾ (٥) يعني بقوله: (مشفقين) خائفين. ومدح سبحانه قوما بقوله: (يخافون يوما كان شره مستطيرا) (٦) وبقوله تعالى: ﴿قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما﴾ (7) يريد به أنه أنعم بالخوف

١ - الصافات ٣٧: ١٠٣.
٢ - النجم ٥٣: ٣٧.
٣ - الرحمن ٥٥: ٤٦.
٤ - إبراهيم ١٤: ١٤.
٥ - الطور ٥٢: ٢٥، ٢٦، ٢٧.
٦ - الإنسان ٧٦: ٧.
٧ - المائدة ٥: 23.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»