أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٤٠
يفوزون، ودرجاتهم التي إياها يأملون، ومجدهم الذي به يفخرون، وسيماهم التي بها يعرفون، فإذا لقيتهم يا موسى فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، ثم أنا الثائر لهم يوم القيامة (1).
وقال بعض الحكماء: الأيام سهام والناس أغراض، ترميهم بسهامها، وتفنيهم بحمامها، حتى تستعرض جميع أجزاءهم، فكم بقاء سلامة من لا تزال السهام ترميه حتى يضمنه، فلو كشف لك - أيها الإنسان - عما أحدثت الأيام من النقص فيك، لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك، وإنها لأمر من العلقم، وقد أعيت الواصف لعيوبها (2) بظاهر أفعالها، وما تأتي به من العجائب أكثر مما تحيط به المواعظ، فنستوهب الله تعالى رشد الصواب وحسن المآب (3).
وخطب عمر بن عبد العزيز فقال: أيها الناس، إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به فإنكم لحمقى، وإن كنتم تكذبون به فإنكم لهلكى، إنما خلقتم لنعيم الأبد إن أطعتم، ولجحيم الأبد إن عصيتم، وإنكم من دار إلى دار تنقلون، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه ومقيمون فيه (4).
ويقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه الحسن بن أبي الحسن الديلمي - جامع هذا الكتاب، أعلام الدين وصفات المؤمنين - أعانه الله على طاعته، وتغمده برأفته ورحمته: إنه يجب على أهل العقل والفهم والأدب والمعرفة، أن يعلموا أن الدنيا قد أهانها الله، حيث لم يصفها لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه، وإنها عنده لحقيرة يسيرة، فينبغي لأهل هذه الأوصاف، أن يأكلوا قصدا، ويلبسوا قصدا، وينفقوا قصدا، ويقدموا فضلا يكون لهم، فينظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية، وإلى الآخرة بأنها باقية، ويعلموا أنهم راحلون عنها، ومحاسبون عليها، فيخرجوا منها قلوبهم قبل أن تخرج منها أبدانهم، فإنها سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، ينظر إليها الناظر فيحسبها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيرا عنيفا، ومثالها الظل فإنه متحرك ساكن، متحرك في الحقيقة، ساكن

1 - تنبيه الخواطر 1: 143.
2 - في الأصل: بعيوبها، وما أثبتناه من تنبيه الخواطر.
3 - تنبيه الخواطر 1: 144، باختلاف يسير.
4 - تنبيه الخواطر 1: 144.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»