أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٤٤
الطمع فيما في أيدي الناس، فينبغي أن لا ينقطع فكر الراغب في هذا الأمر في التفطن بخفايا هذه الصفات، واستنباط طريق الخلاص منها، وهذه صفات الأتقياء الصالحين.
وأما أمثالنا فينبغي أن يكون فكرنا فيما يقوي إيماننا بيوم الحساب، إذ لو رآنا السلف الصالحون لقالوا قطعا: إن هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب، فما أعمالنا أعمال من يؤمن بالجنة والنار، فإن من خاف شيئا هرب منه، ومن رجا شيئا عمل له، وقد عملنا أن الهرب من النار ترك ما يوجبها، وترك الشهوات من الحرام والمعاصي، ونحن منهمكون فيها، وأن طلب الجنة بفعل الطاعات، وكثرة طاعة الله بالصلاة والصوم والقربات، وملازمة الذكر والفكر في طريق النجاة ونحن مقصرون في القيام بذلك، فكيف تحصل الجنة مع ترك العمل لها؟ والنجاة من النار مع العمل بما يوجبها؟
فهذه هي الأماني الكاذبة والغرور، كما قال الله سبحانه: ﴿ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور﴾ (١) هذا توبيخ وتقريع لغير الكفار، بدليل قوله تعالى: ﴿فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا﴾ (٢) (٣).
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه الحسن بن أبي الحسن الديلمي - أعانه الله على طاعته وتغمده برأفته ورحمته -: إني لأعجب من قوم سمعوا الله تعالى يقول:
﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن﴾ (4) وهم يرجون ذلك بغير بذل نفس ولا مال. فانظروا أيها الإخوان إلى معاني هذه الآية، وكونه تعالى باع الجنة بالنفس والمال، وأكثر الناس لا يسمح بماله ولا بشئ منه ولا بشعرة من نفسه، ثم مع هذه الحال يرجو الجنة، فهذا هو الطمع.
ألا ترون إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، كيف بذل نفسه وولده وماله؟ أما

١ - الحديد ٥٧: ١٤.
٢ - الحديد ٥٧: ١٥.
٣ - الكلام الآنف الذكر المنسوب للمؤلف ورد في تنبيه الخواطر: ١٤٤ و ٢٥٢ - ٢٥٦ باختلاف في ألفاظه، فتأمل.
٤ - التوبة ٩: 111.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»