أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٤٦
عليهما، وقال سبحانه: ﴿وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى﴾ (١) وقال سبحانه: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (٢) والآيات في ذلك كثيرة يعرفها من يتلوها، ولكن لا يتدبرونها كما قال سبحانه وتعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ (٣) فلو تدبروها لما ركبوا الطمع وسموه رجاء.
ولقد أحسن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: " يدعي بزعمه أنه يرجو الله، كذب والعظيم، فما باله لا يتبين رجاؤه في عمله! فكل من رجا تبين رجاؤه في عمله، إلا رجاء الله فإنه مدخول، وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول، يرجو الله في الكبير، ويرجو العباد في الصغير، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب، فما بال الله جل جلاله يقصر به عما يصنع بعباده!؟ أتخاف أن تكون له في رجائك كاذبا، أولا تراه للرجاء موضعا، وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه، فجعل خوفه من العباد نقدا، وجعل خوفه من خالقه وربه ضمارا (٤) ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه، وعظم موقعها من قلبه، آثرها على الله، وانقطع إليها، وصار عبدا لها (٥) ولمن في يديه شئ منها، ثم إنهم ركبوا الغرة وظنوا أنهم خائفون، وما حملهم على ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الخوف ".
وقد فصله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: " إن استطعتم أن يحسن ظنكم بالله، ويشتد خوفكم منه، فاجمعوا بينهما، فإنما يكون حسن ظن العبد بربه على قدر خوفه منه، وإن أحسن الناس بالله ظنا أشدهم منه خوفا " (٦).
وقد روي أن إبراهيم عليه السلام كان يسمع تأوهه على حد ميل، حتى مدحه الله تعالى بقوله: ﴿إن إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ (7) وكان في صلاته يسمع من صدره أزيز كأزيز المرجل، وكذلك كان يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله مثل

١ - النازعات ٧٩: ٤٠، ٤١.
٢ - فاطر ٣٥: ٢٨.
٣ - النساء ٤: ٨٢.
٤ - الضمار: ككتاب، من المال الذي لا يرجى رجوعه، ومن العدات ما كان ذا تسويف وخلاف العيان، ومن الدين ما كان بلا أجل " القاموس المحيط - ضمر - ٢: ٧٥ ".
٥ - نهج البلاغة ١: ٧١ / ١٥٥.
٦ - عدة الداعي: ١٣٧.
٧ - هود ١١: 75.
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»