وتعذلوه تقولوا له قولا بليغا؟ " فقلت له: جعلت فداك إذن لا يطيعونا، ولا يقبلون منا، فقال: " اهجروهم واجتنبوا مجالستهم " (1).
قال بعض أهل العلم والدين والزهد: يا أيها الناس، اعملوا على مهل، وكونوا من الله عز وجل [على وجل] (2)، ولا تغتروا بالأمل ونسيان الأجل، ولا تركنوا إلى الدنيا فإنها غرارة خداعة، قد تزخرفت لكم بغرورها، وفتنتكم بأمانيها، [وتزينت] (3) لخطابها كالعروس المتحلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة، فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن لها خذلت، فانظروا إليها بعين الحقيقة، فإنها دار دام ما كثرت بوائقها، وذمها خالقها، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وعزيزها يذل، وكثيرها يقل، وحيها يموت، وخيرها يفوت.
فاستقيظوا من غفلتكم، وانتهبوا من رقدتكم، قبل أن يقال: فلان عليل أو مدنف ثقيل، فهل على الدواء من دليل، أم هل على طبيب من سبيل؟ فيدعى لك الأطباء، ولا يرجى لك شفاء، ثم يقال: فلان أوصى، وماله أحصى، ثم يقال: قد ثقل لسانه، فلم يكلم إخوانه، ولا يعرف جيرانه، وعرق عند ذلك جبينك، وتتابع أنينك، وبليت نفسك، وطبقت جفونك، وصدقت ظنونك، وتلجلج لسانك، وبكى إخوانك، وقيل لك: هذا ابنك فلان وهذا أخوك فلان فمنعت الكلام فلا تنطق، وختم على لسانك فلم ينطلق، ثم حل بك القضاء، وانتزعت نفسك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك، أحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، فانقطع عوادك، واستراح حسادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهنا بأعمالك (4).
وقال بعضهم لبعض الملوك: أحق الناس بذم الدنيا وقلاها، من بسط له فيها وأعطي حاجته منها، لأنه يتوقع آفة تغدو على ماله تجتاحه (5)، أو على نفسه فتعفيه أو على جمعه فتفرقه، أو تأتي على سلطانه فتهدمه من القواعد، أو تدب إلى جسمه فتسقمه، أو