قال: فلما دخلت على المتوكل أخبرته بحسن سيرته وزهده وورعه (١)، فأكرمه المتوكل (٢). ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفي تصدق (٣) بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جوابا، فبعث إلى علي الهادي عليه السلام يسأله (٤)، فقال: تصدق بثلاثة وثمانين درهما فسأله المتوكل عن السبب، فقال: لقوله تعالى: ﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة﴾ (5)، وكانت المواطن هذه الجملة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزا سبعا وعشرين غزاة، وبعث ستا وخمسين سرية (6).
قال المسعودي: نمي إلى المتوكل بعلي بن محمد أن في منزله سلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الملك، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا على داره ليلا فلم يجدوا شيئا (7)، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وهو يقرأ (8) وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصباء (9)، متوجه إلى الله تعالى يتلو القرآن، فحمل على حالته تلك إلى المتوكل، فأدخل عليه وهو في مجلس الشراب (10) والكأس في يد المتوكل، فأعظمه (11) وأجلسه إلى جانبه (12) وناوله الكأس، فقال: والله ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني (13)!