كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٣١
للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا، لأنه هو المدبر لعباده، فنظره كنظر الوالد لولده فكما يجب على الوالد الانتصاف كذلك يجب عليه تعالى قياسا للغائب على الشاهد.
وقال آخرون منهم: إنه يجب سمعا لأن الوالد يجب عليه تدبير أولاده وتأديبهم، أما الانتصاف بأخذ الأرش من الظالم ودفعه إلى المظلوم فلا نسلم وجوبه عقلا بل يحسن منا تركهم إلى أن تكمل عقولهم لينتصف بعضهم من بعض.
والمصنف رحمه الله اختار وجوبه عقلا وسمعا.
أما من حيث العقل: فلأن ترك الانتصاف منه تعالى يستدعي ضياع حق المظلوم لأنه تعالى مكن الظالم وخلى بينه وبين المظلوم مع قدرته تعالى على منعه ولم يمكن المظلوم من الانتصاف فلولا تكفله تعالى بالانتصاف لضاع حق المظلوم وذلك قبيح عقلا.
وأما من حيث السمع: فلورود القرآن بأنه تعالى يقضي بين عباده، ولوصف المسلمين له تعالى بأنه الطالب، أي الذي يطلب حق الغير من الغير.
قال: فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم (1) من دون عوض في الحال يوازي ظلمه.
أقول: هذا تفريع على وجوب الانتصاف، وهو أنه هل يجوز تمكين الله

(1) لما حكم في البحث السابق بوجوب الانتصاف بمعنى أخذ العوض من الظالم ودفعه إلى المظلوم لزم منه عدم جواز تمكين الظالم من الظلم إذا لم يكن عند الظالم عوض يوازي ظلمه، من مال حلال أو عمل خير، وهذا من لوازم القول بوجوب الانتصاف، ولما كان ذلك مخالفا لضرورة الحياة البشرية، فإن كثيرا من الظالمين ماتوا أو قتلوا ولم يكن عندهم درهم حلال ولا عمل خير حتى ينقله سبحانه منهم إلى صحيفة المظلوم، وقع القائلون بالوجوب في حيص وبيص فذكروا وجوها:
1 - قال الكعبي: إن الله يتفضل على الظالم بالعوض المستحق عليه، ويدفعه إلى المظلوم.
2 - قال أبو هاشم: تفضله سبحانه على الظالم أمر ليس بواجب، فكيف يمكن أن يترتب عليه أمر واجب وهو الانتصاف؟ بل يجب عليه سبحانه أن يبقيه ويعمره حتى يكتسب عوضا وينتقل إلى المظلوم.
3 - أورد عليه السيد المرتضى بأن ما أشكل على الكعبي من أن التفضل ليس بواجب وارد عليه أيضا، لأن التبقية أيضا تفضل لا يمكن أن يترتب عليه أمر واجب وهو الانتصاف. وحق المقال غير ما ذكراه، إذ كيف يمكن أن يقال: إنه يجب التفضل على الظالم مع أنه كافر جاحد أو منافق معاند، وأما التبقية فيكذبها الحس والوجدان، فلا محيص عن القول بأنه يجب عليه سبحانه الأمر بإجراء الحدود في الدنيا، أو تعذيبه في الآخرة، ورفع درجة المظلوم فيها إذا كان أهلا لذلك.
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»