كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٣٣
قال: فإن كان المظلوم من أهل الجنة (1) فرق الله تعالى أعواضه على الأوقات أو تفضل عليه بمثلها، وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزء من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق الناقص على الأوقات.
أقول: لما بين وجوب الانتصاف ذكر كيفية إيصال العوض إلى مستحقه.

(1) السبب لعنوان هذا البحث هو التزامهم بخلو الجنة عن الغم، والجحيم عن الفرح، وهذا يطلب لنفسه البحث عن كيفية انقطاع العوض عن أهل الجنة على وجه لا يورث الغم، ودفع العوض إلى أهل الجحيم على وجه لا يورث الفرح والسرور ولو لأجل إحساس خفة العذاب، لكن الكلام في وجود الدليل على الالتزام بهما على هذا الحد.
وذكر الماتن في كيفية إعطاء العوض إذا كان المظلوم من أهل الجنة وجهين، وإذا كان من أهل النار وجها واحدا:
إذا كان من أهل الجنة وقلنا إن العوض دائم فلا بحث، إنما الكلام إذا كان العوض منقطعا فهنا وجهان:
1 - يفرق الله أعواضه على الأوقات، على وجه إذا انقطع العوض لا يدرك انقطاعه لقلته جدا لأجل التوزيع على مدة طويلة لا قصيرة.
2 - يتفضل عليه بمثلها.
وإذا كان من أهل النار والمفروض أن العوض منقطع فالذي أجاب به الماتن نفس الجواب الأول المذكور في حق أهل الجنة، قال: كما أنه سبحانه يفرق أعواض أهل الجنة على أوقاتهم حتى لا يلزم الألم في الجنة لأجل الانقطاع فهكذا في المقام، يجعل العوض إسقاط جزء من عذابه لكن مفرقا على أوقاته، وبما أن العوض كان مفرقا وقليلا لأجل التفريق، لا تظهر له الخفة مطلقا حتى بعد الانقطاع، وإليه أشار الماتن بقوله: " اسقط بها جزء من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف " والشارح أتى به في آخر الشرح بقوله: " أو نقول: إنه تعالى ينقص من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الأوقات بحيث لا تظهر له الخفة من قبل ".
وأما الشارح فقد جاء بجواب آخر، وحاصله: أنه يسقط من عقابه في برهة خاصة من الزمان لا مفرقا على الأوقات، ولما كان الإسقاط غير نفس العوض أولا، وكان الإسقاط في برهة خاصة يلازم إحساس الراحة أو التخفيف ثانيا حاول إصلاح ذينك الأمرين وقال:
1 - إن طبع العوض وإن كان يقتضي إيصال النفع، لكنه لا فرق بينه وبين دفع الضرر في مقام الإيثار والاختيار، وبذلك أجاب عن الإشكال الأول.
2 - إن عظمة الآلام - بعد الإسقاط - تمنع عن إحساس الراحة، بحيث لا يؤثر الإسقاط حتى في نفس تلك البرهة في إحساس الراحة والتخفيف ويقف على أن آلامه بعد ذلك الإسقاط أشد، كل ذلك يسلب منه ذكر الراحة وإحساس الخفة.
لكن الأساس غير ثابت، وما الدليل على أنه تعلقت مشيئته سبحانه بعدم إحساس أهل النار خفة العذاب في برهة إذا كان التخفيف عوضا؟ وما ورد في الكتاب العزيز في غير واحد من السور من أنه لا يخفف عنهم العذاب (1) ناظر إلى التخفيف من غير سبب.
- 1 - البقرة: 86، 162، آل عمران: 88، النحل: 85، فاطر: 36، غافر: 49.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»