كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٢٦
أقول: هذه الوجوه التي يستحق بها العوض على الله تعالى:
الأول: إنزال الآلام بالعبد كالمرض وغيره، وقد سبق بيان وجوب العوض به من حيث اشتماله على الظلم لو لم يجب العوض.
الثاني: تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير، لأنه لا فرق بين تفويت المنافع وإنزال المضار، فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش لانتفع به زيد لاستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده، ولو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به لأنه يموت قبل الانتفاع به لم يستحق به عوضا لعدم تفويته المنفعة منه تعالى.
وكذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء شعر بهلاك ماله أو لم يشعر (1) لأن تفويت المنفعة كإنزال الألم، ولو آلمه ولم يشعر به لاستحق العوض فكذا إذا فوت عليه منفعة لم يشعر بها، وعندي في هذا الوجه نظر.
الثالث: إنزال الغموم، بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم، لأن الغم يجري مجرى الضرر في العقل، سواء كان الغم علما ضروريا بنزول مصيبة أو وصول ألم أو كان ظنا بأن يغتم عند أمارة لوصول مضرة أو فوات منفعة أو كان علما مكتسبا، لأن الله تعالى هو الناصب للدليل والباعث على النظر فيه

(1) هنا سؤال، وهو أنه ما الفرق بين إهلاك المال حيث يلزم فيه التعويض، شعر صاحب المال بالإهلاك أم لا، وبين إنزال الغموم حيث اشترط الشارح فيه الشعور وقال: " نحو أن يهلك له مالا وهو لا يشعر به إلى أن يموت فإنه لا يستحق العوض عليه تعالى ".
والجواب وجود الفرق بينهما، وهو اختلاف الحيثية، فإن ملاك البحث في الأول هو تفويت المنافع أو الإضرار بالأموال، وهو أمر واقعي يستلزم العوض، شعر بذلك أم لم يشعر، بخلاف ملاكه في الثاني فإن إنزال الغموم - وإن كان لأجل إهلاك المال - أمر نفسي متوقف على الشعور والعلم، ولولاهما لما كان هناك موضوع للغم، وعلى ضوء ذلك ففي مورد واحد ربما يجب العوض من جهة ولا يجب من جهة أخرى، فاغتنم.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»