ما الجاري المنجمد 137 التسخيري الشوقي، وكون التحريك من قبل النفس (1) لا ينافي كون حركتها بذاتها، بمعنى أن القبول المخمر في طينتها يبعثها على الطلب من النفس، لأن تعيين حدود الحركة وجهاتها لا يمكن أن يكون لذاتها، بل إنما هو من قبل النفس وإرادتها، ومن ذلك قيل: النفس عدد متحرك، فهي المتحرك المحرك.
وأما ثبات الطبيعة الجسمية وجمودها، فمن جهة أن ذاتها ليست نفس الحركة والسيلان كما زعم بعض الأساتيذ الأعلام (2) بل هي ذات ثابتة بنفسها والحركة عارضة لها من حيث القابلية عروض اللوازم الذاتية لمعروضها، وتحقيق ذلك مبسوطا مذكور في رسالتنا المسماة: ب " مرقاة الأسرار " (3) في بيان حدوث العالم حدوثا زمانيا.
ثم إن ذلك التغيير مبدأ سائر التغيرات التي بعدها أي تغير كان مع جمودها في الظاهر على حالها، فالعالم الجسماني بمجموعه متغير ومتحرك دائما يتبدل تعينه مع الآنات، ففي كل آن يوجد متعين غير المتعين الأول، والعين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغييرات وهي بحالها هو الجسم الطبيعي الثابت بذاته المتغير بأحواله، وفي الآية إيماء إلى ذلك حيث قال: * (وترى الجبال) * أي الحقيقة الأصلية التي هي طبيعة الجسم * (تحسبها جامدة) * ثابتة حين تمر وتعرضها الحركة، فالمرور حال عارض والجمود والثبات ذاتي.