بل إنما تترتب الآثار على المؤثرات في ذلك العالم الشريف بمحض التعقل والشوق بل المعقولات في ذلك العالم نفس التعقل والشوق كما يعرفه أهل الذوق، قال الله تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (1) وعند النظر الجليل ترى أن معلولات عالم الأمر إنما هي آثار التسبيح والتقديس الذي طباعهم، ونتائج التهليل والتمجيد الذي شأنهم، وأنهم لا يفترون من ذلك ساعة ولا يسأمون لحظة يرشدك إليه: (أن تسبيحنا يغرس شجرة في قيعان الجنة) كما في الخبر (2) فكيف الظن بتسبيحاتهم وتقديساتهم مع كمال طهارتهم؟!
وثانيهما: أن تينك المرتبتين السابقتين هما ليستا من عالم الخلق والصنع، بل هما ما يعبر عنه في لسان الشرع بعالم الأسماء والصفات (3) ليس إلا، لكن المرتبة الأولى هي مرتبة الأسماء والصفات الذاتية كالعلم والحياة والقدرة، والمرتبة النفسية هي مرتبة الأسماء والصفات الفعلية كالمشية والكبرياء والعظمة، بل النظر الجليل يرى الأولى هي الصفات الذاتية الإلهية من حيث المرتبة والحقيقة، والثانية هذه الصفات لكن من حيث الوجود والتحقيق، فنسبة الإيجاد إلى المرتبتين السابقتين ليس كنسبته إلى المكونات، بل الإمكان الذاتي في العوالي محض اعتبار عقلي كما قاله بعض الأعلام (4).
وبالجملة: هذا العالم العلوي عالم الوجوب المتاخم لأفق الوحدة الحقة والبساطة المحضة، وقد قيل: " عالم الأمر ما لا حكم فيه للإمكان " (5)