التعليقة على الفوائد الرضوية - القاضي سعيد القمي - الصفحة ١٥١
معنى قوله بينا أنت 151 فائدة إلا في المبدأ القيوم تعالى شأنه، فإنه هو هو لا غيره.
على هذا التحقيق الذي لا أظنك تظفر به في غير هذه الأسطر، فقوله عليه السلام: " بينا أنت أنت "، على الحقيقة وقوله: " صرنا نحن نحن " إنما التكرار فيه بمجرد المشاكلة والمقايسة بالكلام الأول، لأن صيرورة الشئ شيئا إنما هو مفاد الجعل المركب، وهو مستحيل قطعا، وفي " الصحيفة السجادية ": (إلهي كيف أدعوك وأنا أنا، وكيف أقطع رجائي عنك وأنت أنت) (1) وذلك يعاضد ما قلنا، إذ معناه أن قولي واعتقادي " أنا أنا " إنما يوجب أن يكون لي ذات دونك قائمة بنفسها، ومع ذلك فكيف يسعني أن أدعوك وافتقر إليك، ومن أين تكون لي الحاجة إلى أن أطلبك، فإن ذلك يشعر باستغنائي عنك، ثم لما نفى عليه السلام عن نفسه ذلك قال: " وكيف أقطع رجائي عنك وأنت أنت " أي هذا الحكم ما ينبغي إلا لك ولا يشركك فيه أحد غيرك، لأنك أنت القائم بذاته القيوم لما سواه، فلأي شئ لا أدعوك، وكيف يسعني أن أقطع رجائي عنك والكل منك وبك ولك وإليك.
ومما قلنا يتصحح أيضا سر ما نقل عن جبرئيل في ابتداء خلقه، حيث سأله الله أكثر من مرة من أنا ومن أنت؟! ويجيب كل مرة مخاطبا لله بقوله: أنت أنت وأنا أنا، فيحترق بسطوات الكبرياء، ويسقط من سماء القرب أبعد مما بين هذه الأرض وتلك السماء إلى أن ظهر مغيث النفوس والأرواح في عالم الأنوار والأشباح، مولى الكونين، وإمام الثقلين مولانا علي عليه السلام، فعلمه بأن يقول في الجواب: أنت الملك الجليل وأنا العبد الذليل جبرئيل، فلما قال ذلك تخلص من الاحتراق بنار البعد والفراق (2).
فاحتفظ بذلك التحقيق فإنه من مشرب رحيق.

١ - الصحيفة السجادية الجامعة: 398.
2 - انظر الأنوار النعمانية 1: 15.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 147 149 150 151 153 154 155 157 158 ... » »»
الفهرست