العالم (1) وليس ذلك كما اشتهر بين أصحاب الإشراق، فإن وجود الصورة المقدارية بدون المادة بين الاستحالة، بل إنما يتيسر فهم ذلك بعد ما تحققت العارف العظيم الشأن مع كثرة غوره في مباحث علمية وعرفانية كيف ذهل عن هذه الدقائق؟ وهذه الغفلة والذهول صارت منشأ للرد في كثير من المباحث العلمية على شيخ مشايخ أرباب الحكمة والمعرفة صدر صدور الحكماء والمتألهين رضي الله تعالى عنه وليس هاهنا مقام ذكرها وتفصيلها.
ولقد أشير إلى ما ذكرنا في لباس الرمز في الكتاب الإلهي بقوله: * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * (2) فإن مقتضى سريان الحياة في شراشر دار الآخرة - التي أول منزلها العالم البرزخي المضاهي للعالم المثالي، وبإزائه في قوس الصعود كما هو مقابله في قوس النزول - أن لا يكون فيها المادة الجسمية التي هي مبدأ لكل موت وليست فيها حياة أصلا.
وأشير إلى ذلك أيضا في النبوي المشهور: (الدنيا مزرعة الآخرة) (3) فإن الدنيا إذا كانت مزرعة للآخرة كانت الآخرة دار الحصاد، فإذا كانت الآخرة دار الحصاد لم يكن فيها قابلية وهيولوية، فإن الهيولى بذاتها محل الزرع، ووجودها بلا زرع لغو وعبث تعالى عن أن يكون في ملكه اللغو والعبث.
وهاهنا أسرار ورموز بعضها راجعة إلى أحوال أهل البرزخ والقيامة من السعداء والأشقياء وكيفية الانتقالات الواقعة في الدار الآخرة، ليس هاهنا محل ذكرها ورخصة إفشاء أمرها، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ووفقنا لوضع رسالة فيها فردا.