سياله بذاتها من دون ميعان بل في جمود، ومتحركة بنفسها مع كونها ثابتة في ذاتها، كما قال عز من قائل: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ) * (1).
أما معنى كونها سيالة متحركة بذاتها فهو أن الحركة من لوازمها من حيث قابليتها واستعدادها الذاتي، لأن تحركها النفسي تحريكها كانت الصورة نفس التجدد والسيلان كما ساق إليه البرهان (2) وليست الحركة في الأحوال فحسب، وإن كانت التغيرات العرضية وبحسب الأحوال لازمة للتغيرات الذاتية وكواشف عنها، وثبوت الذات في الحقائق التي بحسب ذاتها واقعة تحت تصرف الزمان غير جائز على شريعة الحكمة والبرهان، كما أوضح سبيله بأتم بيان وأصح تبيان في الكتاب الحكيم والقرآن المحكم القويم، حيث نسب جمود الجبال - التي هي أوضح مصاديق الطبيعة الجسمية - وثبوتها إلى الزعم والحسبان، وأثبت الحركة والمرور والسيلان لها مؤكدا باسمية الجملة وحاليتها مع إتيان المسند بالفعل المضارع الدال على التغير التجددي والسيلان الاتصالي، وأوضحه بالتمثيل بمرور السحاب في الحس الذي كان متصل الحركة ودائم السيلان.
وليس في هذه الرسالة المختصرة الموضوعة للرمز والإشارة مجال بيان هذه الحقائق وتفصيلها، ولم تحضرني الرسالة (3) التي ذكرها حتى أتصدى للحكومة بين هذا العارف الكامل وذلك الفيلسوف المتأله (4) رضي الله عنهما وإن كانت الحكومة بينهما خارجة عن وسعي مع قصور الباع وقلة الاطلاع.