التعليقة على الفوائد الرضوية - القاضي سعيد القمي - الصفحة ١٢٣
ظاهر الشئ المحسوس كأنه يحفظه ويمسكه لتنال النفس منه ما تنال، وقد تقرر أيضا في مدارك أرباب الأذواق الإلهية أن إمساك السماوات والأرض وما فيهما إنما يتسبب عن الاسم البصير، ولذلك ورد في تفسير قوله تعالى: * (ولتصنع على عيني) * (1) أي على حفظي (2) وقال تعالى: * (ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير) * (3).
والهضم يضاهي الذوق، لأن تلك القوة مبدأ مبادئ الهضم، وكذا الدفع يضاهي اللمس، لأن عمدة منافع اللمس رفع المنافر، وكذا التربية تضاهي الشم، لأن القوى الدماغية هي العمدة في التربية.
ثم البصر يحاذي الفكر، لأن النظر أصل الفكر في عالم الكون، كما أن الفكر أصل النظر في العالم العلوي، وكذا السمع يحاذي الذكر الذي أريد به قوة الحفظ، وقد دريت أن الجذب والحفظ من السمع، وكذا الذوق يحاذي العلم، لأن العلم غذاء الروح، وكذا اللمس يحاذي الحلم، لأن تلك القوة إنما شأنها تحمل المشاق من توارد الحر والبرد، ولكونها متسببة عن لينة الأعصاب إلى مرتبة يتأتى منها الإحساس اللمسي، وكذا الشم يحاذي النباهة التي هي طلب الشرف والرفعة، لأنها تنشأ من الدماغ الذي هو معدن تلك القوة.
ثم البقاء في الفناء إنما يتحصل من النظر والفكرة في الأشياء بأنها لا شيئية لها إلا بالله تعالى، والنعيم في الشقاء إنما يكون بتذكر الحقائق المنتزعة من الكائنات، وتصفية تلك الأنوار من كدورات الجسمانيات، وكذا العز في الذل إنما يتيسر بالرياضات العلمية، والفقر مع الغناء

١ - طه: ٣٩.
٢ - مجمع البيان ٧: ١٨، تفسير الفخر الرازي ٢٢: ٥٤.
٣ - الملك: ١٩.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 127 128 129 ... » »»
الفهرست