حكم للزبير بالتوبة من حيث رجع عن الحرب وبين من حكم بالتوبة لكل من انصرف عن حروب النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يصير إليه، فيعترف بالاسلام بين يديه، ويظهر الندم عما كان عليه، حتى يجعل ذلك ناقلا لنا عن ذمه إلى مدحه، وعن القطع عليه بالعذاب إلى القطع له بالثواب، على أنه قد روي سبب رجوع الزبير عن الحرب أن ابنه عبد الله قال له: عائشة تريد أن تصليك بالحرب، ثم تقضي بالأمر إلى ابن عمها، يعني طلحة، وما أرى لك إلا الرجوع، وإنما قال له هذا لأنهم أمروه ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت استأثروا.
وروى البلاذري في كتابه أن معاوية كاتب الزبير: أقبل حتى أبايعك ومن يحضرني، فلعله رجع لهذا ولأنه أيس من الظفر، فإن رجوعه كان بعد قتل طلحة وتلوح إمارات الفتح على أن رجوعه إنما كان عن الحرب عقيب مواقفة أمير المؤمنين عليه السلام له وتذكيره بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حربه، وأكثر ما في هذا أن يدل على أنه قد ندم عن الحرب، وفسقه لم يكن بالحرب دون غيرها، بل كان لما تقدمها من نكث البيعة والخروج عن طاعة الإمام، والبغي عليه، ورميه بما هو برئ منه من دم عثمان، ومطالبته بما لا يجب عليه من تسليم كل من اتهم بقتله، ورد الأمر في الإمامة شورى ليستأنف الناس الاختيار وطلب الإمام، وهذه ضروب من الفسق، من أين أن رجوعه عن الحرب وندمه عليها يقتضي ندمه على جميع ما ذكرناه، وليس يمكن أن يدعي في ظاهر الرجوع عن الحرب أكثر من الندم عليها، ولو كان الكف عن الحرب دليلا على التوبة من سائر ما عددناه لوجب أن يشهد له بالندم والتوبة لما كان مقيما بمكة، فإنه كان ههنا كافا عن الحرب ولم يمنع من أن يكون مقيما على غيرها مما ذكرناه.
فأما اعتماده على أن السبب في الرجوع إنما كان مواقفة أمير المؤمنين