لما رووا أنه وقف وذكر، ورووا أنه رجع عن الحرب ظنوا أن الرجوع كان عقب المواقفة، فأكثر ما في هذا الباب أن يكون في أيديهم رواية بأن الرجوع كان عقيب المواقفة والتذكير فقد بينا أن بإزائها روايات تتضمن أنه أقام بعد ذلك وقاتل، فلا يجب مع هذا التعارض أن يقطعوا على أن الانصراف كان عقيب المواقفة حتى يجعلوه ذريعة إلى التوبة.
فأما البيتان اللذان ذكرهما فما رأينا أحدا ممن صنف في السيرة وذكر هذه القصة بعينها وشرح حديث المواقفة والتذكير ذكرهما، كأبي مخنف والواقدي والبلاذري والطبري وغير من ذكرناه ممن عني بجميع الروايات المختلفة في السيرة، ولو كانا معروفين في الرواية لذكرهما بعض من ذكرناه والأشبه أن يكونا موضوعين.
فإن قيل: ليس لي ترك من ذكرتم روايتهما دلالة على بطلانهما ولا معارضة لخبر من رواهما لأن الخبر إذا كان يتضمن زيادة فهو أولى من الخبر الوارد بخلافها وحذفها، قلنا: قد روينا أخبارا تتضمن من الزيادة ما ليس في الخبر الذي يتضمن البيتين نحو الرواية التي تتضمن أنه رجع وقاتل وأعتق عبده حتى قيل في ذلك من الشعر ما ذكرنا ونحو الخبر الآخر الذي يتضمن أنه استحيى وأقام، وكل هذه زيادات على ما في خبرهم، فإن اعتبرت الزيادة، ووقع الترجيح بها فهي موجودة في أخبارنا فأقل الأحوال أن تتعارض الأخبار لما يتضمن من الزيادات وسقط ترجيحهم بالزيادة.
فأما ما رواه من قوله ما كان أمر قط إلا أعرف أين أضع قدمي فيه إلا هذا فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر، فما تدري من أي وجه يدل على التوبة والندم لأنه ليس في صريحه ولا فحواه ما يدل على شئ منها وأكثر ما يدل عليه هذا الخبر أنه متحير لا يدري أيظفر أم يخيب وأن الأمر عليه ملتبس وطريقه إليه مظلم فأما الندم والاقلاع فبعيد من تأويل