التوبة لأن الإنسان قد يرتكب ما يعلم أنه خطأ ويقدم على ما يعلم أنه قبيح. وليس يستشهد في ذلك إلا ما ختم به صاحب الكتاب هذا الفصل فإنه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه خطب لما بلغه خروج القوم إلى البصرة فقال بعد كلام طويل: " والله إن طلحة والزبير ليعلمان أنهما مخطئان وما يجهلان ورب عالم قتله جهله، ولم ينفعه علمه " فشهد عليه السلام عليهما بأنهما يعلمان خطأهما في حال لا شبهة في أنهما لم يكونا نادمين، ولا تائبين، فكيف يستدل صاحب الكتاب بكونهما عالمين بالخطأ، على أنهما كانا نادمين، وهو يروي عقيب هذا الكلام الخبر الذي رويناه ولا شئ أعجب من ذكر صاحب الكتاب هذا الخبر في جملة الاعتذار عن القوم والتزكية لهم لأنه صرح في ذمهم. وأن اعتقاد أمير المؤمنين عليه السلام كان فيهم شيئا قبيحا، وأنه كان يعلم منهم خلاف طريقة الدين، وأن غرض الرجلين فيما ارتكباه طلب الدنيا وحطامها، ونيل الرئاسة والتأمر على الناس والتوصل إلى ذلك بالقبيح والحسن والصغير من الذنوب والكبير، ولهذا قال عليه السلام، " لئن ظفروا ليضربن طلحة عنق الزبير والزبير عنق طلحة، وهذا يبين لمن تأمله بطلان ما ذكره.
قال صاحب الكتاب: [فأما طلحة فإنه أصابه في المعركة سهم فأظهر عند ذلك التوبة (1) ويروى أنه قال لما أصابه السهم:
ندمت ندامة الكسعي لما * رأت عيناه ما صنعت يداه وقال: والله ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي هذه اللهم