صاحب الكتاب وغيره من أن سبب انصرافه كان مواقفة أمير المؤمنين عليه السلام له وتذكيره بكلام النبي صلى الله عليه وآله وبما رويناه من أنه أقام بين الصفين وقاتل وكفر عن يمينه، فهذا الخبر معارض لكل هذه الأخبار، وقد بينا أن نفس الرجوع لا يكون توبة، ودللنا عليه وبينا أيضا أنه لو كان لم يكن توبة إلا عما رجع عنه من القتال دون غيره، وذكرنا أن الفسق لم يكن بالقتال وحده.
فأما قوله: (إن عدول الزبير إلى حيث يملك الأمر كعدوله إليه في أنه ترك للبغي) فليس يخلو من أن يريد حيث يملك الزبير فيه أو حيث يملك أمير المؤمنين عليه السلام فإن أراد الأول فأي دلالة فيه على الندم والتوبة، وترك البغي إنما عدل عن موضع إلى موضع، وهما يتساويان في هذا الحكم، لأنه قد كان يملك أمره في الموضع الذي عدل عنه، وإن أراد الثاني وهو الأشبه فمن أين له أن عدوله كان إلى موضع بهذه الصفة، وإنما قتل متوجها سائرا غير مستقر، ولعله كان قاصدا إلى معاوية وحيزه، وهو حيث لا يملك أمير المؤمنين عليه السلام الأمر فيه، وقد جرت العادة بأن من أراد الاعتذار من حرب غيره، وخلافه وشقاقه، وندم على ذلك أنه يصير إليه، ويصرح بالاعتذار، ويبذل جهده في التنصل وغسل درن (1) ما كان يستعمله وأنه إذا فعل ذلك وبالغ فيه غلب في الظن توبته، وسقطت لائمته، وكيف خرج الزبير في توبته هذه المدعاة عن عادات جميع العقلاء.