الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٥٦
التقية عليه لم يكن لنا إلى العلم بالشرع طريق، وليس العلم بأن الإمام منصوص عليه موقوفا على قوله ولا يعلم إلا من جهته حتى تكون تقيته في ذلك رافعة لطريق العلم فبان الفرق بين الأمرين، على إن صاحب الكتاب يجزى على كل من عدا الرسول صلى الله عليه وآله من المؤمنين التقية ولا يلزمه على ذلك أن يجيز التقية على الرسول صلى الله عليه وآله فكيف يلزم خصومه الجمع بين الأمرين.
فأما قوله: (ولم صار بأن يقال إنه كان يتقي فيعظم أبا بكر وعمر بأولى من أن يحمل تقديمه لأمير المؤمنين على مثل ذلك) فكلام كأنه لا يليق بما نحن فيه لأنا إنما نتكلم في تقية أمير المؤمنين عليه السلام وكفه عن منازعة من غالبه على الأمر، ولم نكن في تقية النبي صلى الله عليه وآله ومن قال له في هذا الموضع أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتقي فيعظم أبا بكر وعمر، وأي مدخل لذلك هاهنا على أن الكثير من أصحابنا لا يقولون إن تعظيمه لأبي بكر وعمر كان على وجه التقية، بل كان على ما يقتضيه الحال من ظاهرهما، ومن قال بذلك يمكن أن يفصل بين الأمرين بالدليل، فيقول: لو تركت والظاهر من تعظيم الجماعة لسويت بين الكل لكنه لما دل الدليل في بعضهم على ما يقتضي خلاف ذلك التعظيم نسبته إلى غير ظاهرة، وما لم يصرف عنه الدليل كان باقيا على حاله.
فأما قوله: (ولو أمكن أن يدعى في ابتداء البيعة التقية ما كان يمكن في سائر الأحوال، وهلا ظهرت التقية منه يوم الجمل وصفين) فظاهر الفساد، لأن الأمر بالعكس مما قاله إن ابتداء الأمر في البيعة كان أحق منه في استقراء الأحوال، ومعلوم أن الحال بعد الابتداء اشتدت وتفرعت، وقويت وتشعبت فكيف يدعي أن الابتداء كان أحق من الاستمرار، اللهم إلا أن يعني بذلك الأيام التي سلم فيها الأمر إليه عليه
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»