الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٥٣
فما وقع من الاتفاق على تأخر أمير المؤمنين عليه السلام عن البيعة يجب أن يكون محمولا على التأخر عن إظهار الرضا والتسليم دون الصفقة باليد، ولو كان راضيا بالأمر، ومسلما للعقد لم يعتبر بصفقته ولا عوتب على تأخره، ولا قيل في ذلك ما قيل ولا جرى ما جرى، على أنا قد بينا أن ترك النكير لا يدل على الرضا والاجماع إلا بعد شرائط لم تحصل في تركه عليه السلام النكير.
فأما قوله: (وكان يجب إن لم يزد نكيره وإظهار الخلاف على ما ظهر من الحسين عليه السلام وغيره في أيام بني أمية ألا ينقص من ذلك فقد علم أنهم لما طولبوا بالبيعة كيف امتنعوا وتهاربوا وأظهروا الخلاف والنكير، ولم يكن فزعه من أبي بكر إلا دون فزعهم من يزيد) وتقويته ذلك بأن نكيره كان يجب أن يكون أقوى من نكير غيره من حيث أزيل عن حقه فبعيد من الصواب لأنا قد بينا الأسباب المانعة من النكير، وأوضحنا ذلك وشرحناه، وليس الخوف في تلك الحال كالخوف من يزيد وبني أمية، وكيف يكون الخوف من مظهر للفسق والخلاعة والمجانة متهتك لا مسكة معه (1) ولا شبهة في أن إمامته ملك وغلبة، وأنه لا شرط من شرائط الإمامة فيه كالخوف من مقدم معظم جميل الظاهر، يرى أكثر الأمة أن الإمامة دونه وأنها أدنى منازله، وما الجامع بين الأمرين كالجمع بين الضدين على أن القوم الذين امتنعوا من بيعة يزيد قد عرف ما جرى عليهم من القتل والمكروه فأما الحسين عليه السلام فإنه أظهر الخلاف لما وجد بعض الأعوان عليه وطمع في معاونة من خذله، وقعد عنه ثم حاله آلت مع اجتهاده واجتهاد من اجتهد في نصرته إلى ما آلت إليه.

(1) يقال: فلان فيه مسكة - بضم الميم - من خير أي بقية.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»