الإنسان من خوف وأمن إلى غيره، ولهذا نجد كثيرا من العقلاء يقدم في بعض المجالس التي يلزم فيها الخوف والتقية في الظاهر على أفعال وأقوال لا نراه يقدم على مثلها في غير ذلك المجلس مما لا يظهر لنا فيه قوة إمارات الخوف، ولا يلزم أن ننسبه إلى السفه من حيث لم يظهر لنا ما ظهر له، لأنه يجوز أن يختص بإمارات تقتضي شدة الخوف في الموضع الذي يظهر لنا فيه ضعف الخوف ويختص بإمارات تقتضي ضعف الخوف في الموضع الذي يظهر لنا قوته، والعادات تشهد بما ذكرناه شهادة لا يحتاج معها إلى الاكثار فيه.
فأما قوله: " وكيف تصح الغيبة مع شدة الحاجة إلى الإمام فيما يتصل بالتكليف، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن لا ينصب الأدلة للمكلف مع قيام التكليف " فقد مضى الكلام في هذا المعنى مستقصى وتكرر في أثناء نقضنا عليه، وبينا أن سبب الغيبة هو فعل الظالمين، وتقصيرهم فيما يلزم من تمكين الإمام فيه والإفراج بينه وبين التصرف فيهم، وبينا أنهم مع الغيبة متمكنون من مصلحتهم بأن يزيلوا السبب الموجب للغيبة ليظهر الإمام، وينتفعوا بتدبيره وسياسته، وفرقنا بين ذلك وبين أن لا ينصب الله تعالى الأدلة للمكلف، أو لا يمكنه، بأن قلنا: لو فعل ذلك - تعالى عنه علوا كبيرا - لكان مكلفا لما لا يطاق، ولكان فقد العلم والانتفاع به من قبله تعالى خاصة، ولا مدخل للمكلف فيه، ولا أتى فيه من تقصيره وغيبة الإمام بخلاف ذلك لأن التمكن من المصالح معها ثابت، وما فقد من المنافع بالغيبة مرجعه إلى الظالمين الذين سببوها وألجأوا إليها.
فأما قوله: " هلا وجب على مذهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله تعالى، وأن يعصمه من كل مخافة " فإنا نقول له في ذلك: الحراسة والعصمة من المخافة على ضربين فمنها ما لا ينافي التكليف، ولا يخرج المكلف إلى حد الالجاء، وهذا القسم قد فعله الله تعالى على أبلغ الوجوه وحرس