الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٣
والأبوة به ومن جهته، فليس يمكن أحدا أن يقول في هذا القول إنه مجاز أو خارج عن حكم الحقيقة، ولو كانت هذه الصيغة تقتضي ما ادعى لوجب أيضا أن لا يصح استعمالها في الجمادات، وكل ما لا يصح منه فعل، وقد علمنا صحة استعمالها فيما ذكرناه لأنهم لا يمنعون من القول بأن منزلة دار زيد من دار عمرو بمنزلة دار خالد من دار بكر، ومنزلة بعض أعضاء الإنسان منه بمنزلة بعض آخر منه، وإنما يفيدون تشابه الأحوال وتقاربها، ويجري لفظة " من " في هذه الوجوه مجرى " عند " و " مع " فكأن القائل أراد محلك عندي، وحالك معي في الاكرام والاعظام كحال أبي عندي ومحله فيهما، ومما يكشف عن صحة ما ذكرناه حسن استثناء الرسول صلى الله عليه وآله النبوة من جملة المنازل، ونحن نعلم أنه لم يستثن إلا ما يجوز دخوله تحت اللفظ عندنا، أو يجب دخوله عند مخالفينا، ونعلم أيضا أن النبوة المستثناة لم تكن بموسى عليه السلام وإذا ساغ استثناء النبوة من جملة ما اقتضى اللفظ مع أنها لم تكن بموسى عليه السلام بطل أن يكون اللفظ متناولا لما وجب من جهة موسى من المنازل، وأما الذي يدل على أن اللفظ يوجب حصول جميع المنازل إلا ما أخرجه الاستثناء، وما جرى مجراه وإن لم يكن من ألفاظ العموم الموجبة للاشتمال والاستغراق، ولا كان من مذهبنا أيضا أن في اللفظ المستغرق للجنس على سبيل الوجوب لفظا موضوعا له فهو أن دخول الاستثناء في اللفظ الذي يقتضي على سبيل الاحتمال أشياء كثيرة متى صدر من حكيم يريد البيان والافهام دليل على أن ما يقتضيه اللفظ يحتمله بعد ما خرج بالاستثناء مرادا بالخطاب وداخل تحته، ويصير دخول الاستثناء كالقرينة أو الدلالة التي توجب بها الاستغراق والشمول، يدل على صحة ما ذكروه أن الحكيم منا إذا قال:
من دخل داري أكرمته إلا زيدا فهمنا من كلامه بدخول الاستثناء إن من عدا زيدا مراد بالقول، لأنه لو لم يكن مرادا لوجب استثناؤه مع إرادة
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»