الرسول صلى الله عليه وآله وجبت له الإمامة بعده بلا شبهة.
فإن قالوا: دلوا أولا على صحة الخبر فهو الأصل، ثم على أن من جملة منازل هارون من موسى أنه لو بقي بعد وفاته لخلفه وقام بأمر أمته، ثم على أن الخبر يصح فيه طريقة العموم، وأنه يقتضي ثبوت جميع المنازل بعد ما أخرجه الاستثناء وما جرى مجراه.
قيل: أما الذي يدل على صحة الخبر فهو جميع ما دل على صحة خبر الغدير مما استقصيناه فيما تقدم وأحكمناه، ولأن علماء الأمة مطبقون على قبوله وإن اختلفوا في تأويله والشيعة تتواتر به وأكثر رواة الحديث يرويه ومن صنف الحديث منهم أورده من جملة الصحيح، وهو ظاهر بين الأمة شائع كظهور سائر ما نقطع على صحته من الأخبار واحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أهل الشورى يصححه، ومن يحكي أنه رده أو أظهر الشك فيه لا شك إذا صحت الحكاية عنه في شذوذه وتقدم الإجماع لقوله ثم تأخره عنه، وكل هذا قد تقدم فلا حاجة بنا إلى بسطه.
وأما الدليل على أن هارون عليه السلام لو بقي بعد موسى لخلفه في أمته فهو أنه قد ثبت خلافته له في حال حياته بلا خلاف وفي قوله تعالى:
﴿وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (1) أكبر شاهد بذلك. وإذا ثبت الخلافة له في حال الحياة وجب حصولها له بعد حال الوفاة لو بقي إليها لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حط له من رتبة كان عليها، وصرف عن ولاية فوضت إليه، وذلك يقتضي من التنفير أكثر مما يعترف به خصومنا من المعتزلة بأن الله تعالى يجنب أنبياءه عليهم السلام من القباحة في الخلق