والدمامة المفرطة، والصغائر المستخفة، وأن لا يجيبهم الله تعالى إلى ما يسألونه لأمتهم من حيث يظهر لهم.
فإن قال: ولم زعمتم أن فيما ذكرتموه تنفيرا قيل له: لأن خلافة هارون لموسى عليهما السلام كانت منزلة في الدين جليلة، ودرجة فيه رفيعة، واقتضت من التبجيل والتعظيم ما يجب لمثلها لم يجز أن يخرج عنها لأن في خروجه عنها زوال ما كان له في النفوس بها من المنزلة، وفي هذا نهاية التنفير والتأثير في السكون إليه ومن دفع أن يكون الخروج عن هذه المنزلة منفرا كمن دفع أن يكون سائر ما عددناه منفرا.
فإن قال: إذا ثبت فيما ذكرتموه أنه منفر وجب أن يجتنبه هارون عليه السلام من حيث كان نبيا ومؤديا عن الله عز وجل، لأنه لو لم يكن نبيا لما وجب أن يجتنب المنفرات، فكأن نبوته هي المقتضية لاستمرار خلافته إلى بعد الوفاة، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد استثنى في الخبر النبوة وجب أن يخرج معها ما هي مقتضية له وكالسبب فيه، وإذا أخرجت هذه المنزلة مع النبوة لم يكن في الخبر دلالة على النص الذي تدعونه.
قيل له: إن أردت بقولك إن الخلافة من مقتضى النبوة أنه من حيث كان نبيا تجب له هذه المنزلة كما يجب له سائر شروط النبوة فليس الأمر كذلك، لأنه غير منكر أن يكون هارون قبل استخلاف موسى له شريكا في نبوته، وتبليغ شرعه وإن لم يكن خليفة له فيما سوى ذلك في حياته ولا بعد وفاته، وإن أردت أن هارون بعد استخلاف موسى له في حياته يجب أن يستمر حاله ولا يخرج عن هذه المنزلة، لأن خروجه عنها يقتضي التنفير الذي يمتنع نبوة هارون منه، وأشرت في ذلك أن النبوة تقتضي الخلافة بعد الوفاة إلى هذا الوجه فهو صحيح، غير أنه لا يجب ما ظننته من استثناء الخلافة باستثناء النبوة، لأن أكثر ما فيه أن يكون