الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٥
غزوة تبوك كره أن يتخلف عنه، وأن ينقطع عن العادة التي كان يجري عليها في مواساته له بنفسه، وذبه الأعداء عن وجهه، فلحق به وشكى إليه ما يجده من ألم الوحشة، فقال له هذا القول، وليس لنا أن نخصص خبرا معلوما بأمر غير معلوم، على أن كثيرا من الروايات قد أتت بأن النبي صلى الله عليه وآله قال له: " أنت مني بمنزله هارون من موسى " في أماكن مختلفة، وأحوال شتى (1)، فليس لنا أيضا أن نخصه بغزوة تبوك دون غيرها، بل الواجب القطع على الخبر الحق والرجوع إلى ما يقتضيه والشك فيما لم يثبت صحته من الأسباب والأحوال.
ومنها، إن الذي يقتضيه السبب مطابقة القول له، وليس يقتضي مع مطابقته ألا يتعداه وإذا كان السبب ما يدعونه من إرجاف المنافقين أو استثقاله عليه السلام أو كان الاستخلاف في حال الغيبة والسفر فالقول على مذهبنا وتأويلنا يطابقه ويتناوله، وإن تعداه إلى غيره من الاستخلاف بعد الوفاة الذي لا ينافي ما يقتضيه السبب، يبين ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح بما ذهبنا إليه حتى يقول: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " في المحبة والفضل والاختصاص والخلافة في الحياة وبعد الوفاة لكان السبب الذي يدعي غير مانع من صحة الكلام واستقامته.
ومنها، إن القول لو اقتضى منزلة واحدة إما الخلافة في السفر أو ما ينافي من إرجاف المنافقين من المحبة والميل لقبح الاستثناء لأن ظاهره لا يقتضي تناول الكلام لأكثر من منزلة واحدة، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحدنا لغيره منزلتك مني في الشركة في المتاع المخصوص دون غيرها منزلة فلان من فلان إلا أنك لست بجاري، وإن كان الجوار ثابتا بين من ذكره من حيث لم يصح تناول قوله الأول ما يصح دخول منزلة الجوار فيه، وكذلك لا يصح أن يقول: إن ضربت غلامي زيدا إلا غلامي عمرا، وإن صح أن يقول: ضربت غلماني إلا غلامي عمرا من حيث تناول

(1) سيأتي ذكر هذه الأحوال ص 56 من هذا الجزء
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»