الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٦
اللفظ الواحد دون الجمع، وبهذا الوجه يسقط قول من ادعى أن الخبر يقتضي منزلة واحدة لأن ظاهر اللفظ يتناول أكثر من المنزلة الواحدة، وأنه لو أراد منازل كثيرة لقال أنت مني بمنازل هارون من موسى وذلك أن اعتبار موضع الاستثناء يدل على أن الكلام يتناول أكثر من منزلة واحدة، والعادة في الاستعمال جارية بأن يستعمل مثل هذا الخطاب، وإن كان المراد المنازل الكثيرة، لأنهم يقولون منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان منه، وإن أشاروا إلى أحوال مختلفة وإلى منازل كثيرة، ولا يكادون يقولون بدلا مما ذكرناه منازل فلان كمنازل فلان، وإنما حسن منهم ذلك من حيث اعتقدوا أن ذوي المنازل الكثيرة، والرتب المختلفة قد حصل لهم بمجموعها منزلة واحدة كأنها جملة تتفرع على غيرها، فتقع الإشارة منهم إلى الجملة بلفظ الواحدة، وباعتبار ما اعتبرناه من الاستثناء يبطل قول من حمل الكلام على منزلة يقتضيها العهد والعرف، ولأنه ليس في العرف ألا تستعمل لفظ منزلة إلا في شئ مخصوص دون ما عداه، لأنه لا حال من الأحوال يحصل لأحد مع غيره من نسب وجوار وولاية ومحبة واختصاص إلى سائر الأحوال إلا ويصح أن يقال فيه: أنه منزلة، ومن ادعى عرفا في بعض المنازل كمن ادعاه في غيره وكذلك لا عهد يشار إليه في منزلة من منازل هارون من موسى عليه السلام دون غيرها فلا اختصاص بشئ من منازله بعهد ليس في غيره، بل سائر منازله كالمعهود من جهة أنها معلومة بالأدلة عليها، وكل ما ذكرناه واضح لمن أنصف من نفسه.
طريقة أخرى من الاستدلال بالخبر على النص وهي أنه إذا ثبت كون هارون خليفة لموسى على أمته في حياته ومفترض الطاعة عليهم، وأن هذه المنزلة من جملة منازله، ووجدنا النبي صلى الله عليه وآله استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله " إلا أنه لا نبي بعدي " دل هذا الاستثناء على أن ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنين عليه السلام بعده وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد صح وجه النص بالإمامة.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»