كالسبب في ثبوت الخلافة بعد الوفاة، وغير واجب أن ينفي ما هو كالسبب عن غيره عند نفي ذلك الغير ألا ترى أن أحدنا لو قال لوصيه: اعط فلانا من مالي كذا وكذا - وذكر مبلغا عينه - فإنه يستحق هذا المبلغ علي من ثمن سلعة ابتعتها منه، وأنزل فلانا منزلة فلان الذي أوصيتك به وأجره مجراه، فإن ذلك يجب له من أرش جناية أو قيمة متلفة، أو ميراث أو غير هذه الوجوه، بعد أن يذكر وجها يخالف الأول لوجب على الوصي أن يسوي بينهما في العطية، ولا يخالف بينهما فيها من حيث اختلفت جهة استحقاقهما، ولا يكون قول هذا القائل عند أحد من العقلاء يقتضي سلب المعطى الثاني العطية من حيث سلبه جهة استحقاقها في الأول، فوجب بما ذكرناه أن تكون منزلة هارون من موسى عليهما السلام في استحقاق خلافته له بعد وفاته ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام لاقتضاء اللفظ لها، وإن كانت تجب لهارون من حيث كان في انتفائها تنفير يمنع نبوته منه وتجب لأمير المؤمنين عليه السلام من غير هذا الوجه.
وليس له أن يقول: إن ما ذكرتم حاله لم يختلفا في جهة العطية، وما هو كالسبب لها لأن القول من الموصي هو المقتضي لها، والمذكوران يتساويان فيه، وذلك أن سبب استحقاق العطية في الحقيقة ليس هو القول، بل هو ما تقدم ثمن البيع وقيمة التلف أو ما جرى مجراهما، وهو مختلف لا محالة، وإنما يجب بالقول على الموصى إليه العطية، فأما الاستحقاق على الموصي وسببه فيتقدمان بغير شك، ويزيد ما ذكرناه وضوحا أن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح به حتى يقول: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " في خلافته له في حياته واستحقاقها له لو بقي إلى بعد وفاته إلا أنك لست بنبي كان كلامه صلى الله عليه وآله صحيحا غير متناقض ولا خارج عن الحقيقة، ولم يجب عند أحد أن يكون باستثناء النبوة نافيا لما أثبته من منزلة الخلافة بعد الوفاة، وقد يمكن مع ثبوت هذه الجملة أن يرتب الدليل في