الحقيقة، ولو استعمل فيمن ذكرناه لكان مستعملها متجوزا عند جميع أهل اللغة، وإذا كانت حقيقة الإنابة في اللغة هي الرجوع لم يصح إجراء قوله تعالى (واتبع سبيل من أناب) إلى جميع (١) المؤمنين حتى يعم بها من كان متمسكا بالإيمان، وغير خارج عن غيره إليه، ومن رجع إلى اعتقاده وأناب إليه بعد أن كان على غيره، لأنا لو فعلنا ذلك لكنا عادلين باللفظ عن حقيقتها (٢) من غير ضرورة، والواجب أن يكون ظاهرها متناولا للتائبين من المؤمنين الذين أنابوا إلى الإيمان، وفارقوا غيره، وإذا تناولت هؤلاء لم يكن دلالة على مكان الخلاف بيننا وبين خصومنا في الاجماع.
ومما تعلق به أيضا قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾ (٣) قال: " الوسط هو العدل ولا يكون هذا حالهم إلا وهم خيار، لأن الوسط من كل شئ هو المعتدل منه، وقوله تعالى: ﴿قال أوسطهم ألم أقل لكم﴾ (4) المراد بذلك خيرهم، وعلى هذا الوجه يقال له: إنه عليه السلام من أوسط العرب (5) يعني بذلك من خيرهم، وبين أنه تعالى جعلهم كذلك ليكونوا شهداء على الناس كما أنه عليه السلام شهيد عليهم، فكما أنه لا يكون شهيدا إلا وقوله حق وحجة فكذلك القول فيهم " (6).
وهذه الآية لا تدل أيضا على ما يدعونه، لأن لا يخلو أن يكون المراد بها جميع الأمة المصدقة بالرسول صلى الله عليه وآله أو بعضها (7)، وقد.