تحريمه فلا امتناع في أن يكون جائزا بعد تحقق النبش واما دعوى صيرورته حقا له بحيث يمنع من جواز دفن الغير عنده ففيها منع ظاهر فالأظهر فيه الكراهة أيضا اللهم الا ان يقال إن الدفن المستعقب للنبش كنفس النبش استخفاف بالميت وهتك لحرمته كما ليس بالبعيد ويشهد له عدم رضا أهله بذلك ولو بعد حصول النبش فالقول بالمنع مع أنه أحوط لا يخلو عن وجه والله العالم ويكره ان ينقل الميت من بلد مات فيه إلى بلد اخر الا إلى أحد المشاهد المشرفة اما كراهة نقل الميت إلى غير بلد موته المشاهد المشرفة فعن المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها دعوى الاجماع عليها وكفى بذلك حجة عليها وقد يشهد لها المروى عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام انه رفع إليه ان رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة فأنهكهم عقوبة وقال ادفنوا الأجساد في مصارعها ولا تفعلوا فعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس وقال إنه لما كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاهم إلى دورها فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا ينادى فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها ولاجل مخالفة ظاهر الامر والنهى المذكورين في الرواية لفتاوى الأصحاب مع ضعف سندها واشعار ما فيها من التشبيه بفعل اليهود بالكراهة لا تصلح مستندة الا لاثباتها من باب المسامحة خصوصا مع ظهورها في مرجوحية النقل ولوالى المشاهد المشرفة التي ستعرف ان الأقوى خلافه وربما يستدل للكراهة أيضا بمنافاتها للتعجيل المأمور به في الأخبار المتقدمة في محلها واعترض عليه بعدم الملازمة بين استحباب التعجيل وكراهة النقل اللهم الا ان يتشبث لذلك بما في بعض تلك الأخبار من النهى عن الانتظار بالميت ونحوه وثانيا بعدم اقتضائه كراهة النقل من حيث كونه نقلا فلو أمكن نقله إلى بلد اخر في زمان قصير كما أنه يتحقق كثيرا ما في هذه الاعصار بالأسباب المستحدثة التي لم تكن متعارفة في الأزمنة السابقة للزم ان لا يكون مكروها وهو خلاف ظاهر الفتاوى هذا في النقل إلى غير المشاهد المشرفة واما النقل إليها بعنوان التوسل والاستشفاع والتوصل وإلى ما فيها من الفوائد الأخروية فلا يكره بل يستحب بلا نقل خلاف فيه بل عن المعتبر انه مذهب علمائنا خاصة وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الان وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه ولأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة وهو حسن في الاحياء توصلا إلى فوائد الدنيا فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى انتهى وهو في غاية الحسن بل لا ينبغي الارتياب فيه خصوصا بعد ما عرفت من عدم دليل يعتد به على كراهة النقل إلى غير المشاهد أيضا لولا الاجماع وقاعدة التسامح القاضيتان في المقام باستحبابه ويشهد له مضافا إلى ما عرفت خبر علي بن سليمان قال كتبت أسئله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيهما أفضل فكتب يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل والمروى عن ارشاد الديلمي وفرحة الغري من قضية اليماني الحامل لجنازة أبيه فقال له علي (ع) لم لا دفنته في أرضكم قال أوصى بذلك فقال له ادفن فقام فدفنه في الغري فان فيه التقرير منه لفعله حيث لم يعبه بنقله ويشهد له أيضا فحوى الاخبار الآتية الدالة على جوازه بعد الدفن ان عملنا بها وكيف كان فلا فرق في جواز النقل بين قرب البلد وبعده ما لم يؤد إلى فساد الميت من تغير ريحه وتفرق أعضائه بل ومعه أيضا على الأظهر إذا كان ذلك مسببا عن طول المدة أو حرارة الهواء ونحوها لا إلى عمل عامل على وجه غير مشروع للأصل وغيره مما عرفت وقد بالغ في ذلك بعض الأساطين من متأخري المتأخرين فجوز النقل إلى المشاهد وان توقف على تقطيعه اربا اربا قال فيما حكى عنه ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له ودفع الضرر عنه كما يصنع بالاحياء وفيه ان نفس تمثيل الميت وتقطيعه بذائه محذور ممنوع منه شرعا ومناف لاحترام الميت فلا يصح ان يبيحه غاية مستحبة وتفرع تلك الغاية على التقطيع لا يخرجه من كونه في حد ذاته هتكا لحرمته المعلوم حرمته ولو سلم عدم كونه هتكا بنظر العرف إذا تحقق بقصد تحصيل النفع فلا نسلم جوازه شرعا بل هو على الظاهر محرم مطلقا قد يترتب عليه استحقاق الدية وان كان حكمته في الواقع توهين الميت إذ لا يجب في الحكم المقتضية للأحكام الشرعية اطرادها كما هو ظاهر واما إذا كان انفصال الأعضاء بعضها عن بعض كتغير ريحة مستندا إلى طول المدة ونحوه لا إلى امر اخر مسبب عن فعل المكلفين فلا محذور فيه عدا ما يتوهم من أن اتقائه بلا دفن في طول هذه المدة التي يظهر فيها ريحه ويتفرق أعضائه هتك لحرمته وان الأصل في حكمة الدفن انما هو ستر مثل هذه الأمور وان المتتبع في كلمات الأصحاب لا يكاد يخفى عليه ظهور اتفاقهم في تقييد اطلاقات أدلة تجهيزات الميت من غسله بالسدر والكافور وغيره من الأحكام الواجبة بما إذا لم يؤد إلى فساد الميت بظهور رائحته ونحوها مما يوجب انتهاك حرمته بل لم يسوغوا على الظاهر تعطيله والانتظار به إلى هذا الحد للكفن والغسل والكافور ونحوها فأوجبوا دفنه بدونها فكيف يجوز ذلك لأجل الدفن في المشاهد المشرفة التي غايته الاستحباب وفى الجميع نظرا ما دعوى كونه هتكا لحرمته ومنافاته لقوله (ع) حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا ففيها ان تعطيله لا بعنوان المهانة والتحقير بل لأجل التوصل إلى دفنه في مكان مناسب بحاله فضلا عن دفنه في المشاهد المشرفة لا يعد بنظر العرف هتكا لحرمته بل هو من أعظم انحاء احترام الميت خصوصا إذا منع ريحه من الانتشار بوضعه في صندوق ونحوه على وجه يكتم ريحه بل ربما يكون ترك النقل في مثل هذه الأزمنة التي تعارف فيها النقل من البلاد النائية توهينا بالميت وتحقيرا له بنظر العرف واما دعوى ان الأصل في حكمة الدفن ستر مثل هذه الأمور التي تظهر بالتعطيل وعدم تأذى المسلمين بريحه ونحو ذلك فيدفعها ان مثل هذا الحكم انما هو من اجزاء المقتضى لايجاب الدفن وليست علة تامة بحيث يدور مدارها الحكم واما دعوى ظهور اتفاقهم في عدم وجوف الانتظار به إلى هذا الحد لتجهيز انه الواجبة بل
(٤٢٧)