مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٤١٩
الميل إليه لكنه حمله ساير الأصحاب على خفة الكراهة بالنسبة إليه لكن رواية علي بن عبد الله (ع) تنافى كراهته في ساير الأرحام أيضا ونظيرها في ذلك ما روى أن عليا (ع) مع العباس دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وفى رواية مع فضل بن عباس ورجل اخر وربما ينافيها أيضا المستفيضة الدالة على استحباب ان ينزل الولي في قبره كخبر محمد بن عجلان فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به مما يلي رأسه الخبر ونحوه خبر محمد بن عطية وفى خبر محمد بن عجلان الاخر فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق خده بالأرض الحديث وعن المنتهى أنه قال ويستحب ان ينزل إلى القبر الولي أومن يأمر الولي إذا كان رجلا وان كان امرأة لا ينزل إلى قبرها الا زوجها أو ذو رحم لها وهو وفاق العلماء انتهى وقد يقال في توجيه جميع ما ذكر بان مفادها نفى البأس أو استحباب النزول في القبر كما هو الشان في حق الولي وهو أعم من انزاله فيه والذي يكره هو الثاني دون الأول وهو لا يخلو عن بعد لكن قد يقربه معهودية جميع ما ذكرناه لدى الأصحاب وعدم اعتنائهم بها وافتائهم بالكراهة فإنه يورث قوة الظن بان التجنب عنه هو الراجح شرعا ولعل منشأه كونه مورثا لقساوة القلب كما عللها بها بعض ويؤيده رواية عبيد بن زرارة الدالة على كراهة إهالة التراب على قبر ذي رحم قال مات لبعض أصحاب أبي عبد الله (ع) ولد فحضر أبو عبد الله (ع) فلما الحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فاخذ أبو عبد الله (ع) بكفه وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب فقلنا يا بن رسول الله (ع) أتنهانا عن هذا وحده فقال أنهاكم ان تطرحوا التراب على ذوى أرحامكم فان ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه فالأولى والأوفق بقاعدة التسامح انما هو تجنب الأرحام من مباشرة انزاله في القبر الا في المرأة فان الأفضل ان لا يتولاه الا زوجها أو المحارم كما يدل عليه رواية السكوني عن الصادق (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حيوتها وقد سمعت من المنتهى في العبارة المتقدمة دعوى وفاق العلماء على أن المرأة لا ينزل إلى قبرها الا زوجها أو ذو رحم لها وظاهرها عدم جوازه لمن عد الزوج والمحارم ومراده بالحضر على الظاهر ليس الا فيما إذا كان المباشر للفعل الرجال كما هو الغالب فلا يتوجه عليه النقض بدعوى القطع بجوازه للنساء نعم يتوجه على ما ادعاه من الوفاق تصريح كثير من الأصحاب بالاستحباب ومن هنا يقوى الظن بعدم ارادته الوجوب من العبارة وكيف كان فهو ضعيف لعدم الدليل ورواية السكوني مع ضعفها لا يبعد دعوى ظهورها في الاستحباب ويتأكد ذلك بالنسبة إلى من يتناولها من مؤخرها ففي خبر زيد بن علي عن ابائه عن أمير المؤمنين (ع) يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها ولا يبعد ان يكون وجه تخصيص أولى الناس بالذكر في هذه الرواية كونه غالبا من جملة من كان يراها في حيوتها لا تعينه عليه كي يفهم من هذه الرواية استحباب مباشرة نصوص الولي وأفضليتها من مباشره ساير المحارم فلا يبعد عدم الفرق بين المحارم نعم لو كان وليها زوجها فالأولى ان يتولاه الزوج دون ساير المحارم كما صرح به بعض ويلوح من آخرين وعن الفقه الرضوي أنه قال إذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من موضع ينال وركها وربما يؤيده كون مناط الحكم الذي هو إباحة النظر واللمس حال الحياة فيه أشد وقد يستدل له بما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها وفيه نظر فان أحقيته بها لا يستلزم استحباب المباشرة والله العالم ويستحب ان يدعو له عند انزاله في القبر بالمأثور كما يدل عليه جملة من الاخبار منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا اتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ اية الكرسي وقل بسم الله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه صلى الله عليه وآله وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فاغفر له وتجاوز عنه واستغفر له ما استطعت قال وكان علي بن الحسين (ع) إذا ادخل الميت القبر قال اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقه منك رضوانا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة واما الكلام في نفس الدفن فهو في الجملة مما لا شبهة في وجوبه على الكفاية كساير تجهيزات الميت ولا يبعد ان يكون وجوبه اجمالا من الضروريات وفيه فروض وسنن فالفروض ان يوارى في الأرض مواراة يكون من شانها حفظه عادة عن أن يظهر بدنه بفعل السباع أو هبوب الرياح ونزول الأمطار ونحوها من العوارض العادية ولا يجزى ستره تحت الأرض لا على الوجه المذكور إذ لا ينسبق إلى الذهن من ايجاب دفن الميت الا هذا النحو من المواراة لا مطلق وضعه تحت التراب مضافا إلى المعهودية اعتبار كونه كذلك في أذهان المتشرعة بل وغيرهم فلا يفهم من امر الشارع الا إرادة ما هو المعهود ولم يعهد من أحد الاحتزاء في دفن موتاه بمجرد وضعه تحت التراب لاعلى نحو يحفظه عن السباع وغيرها وهذا المعنى ملزوم غالبا لعدم انتشار ريحه الذي هو احدى فوائد الدفن كما أشار إليه الرضا صلوات الله عليه فيما روى عنه عن علل فضل بن شاذان انه يدفن لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه ولا يتأذى به الاحياء وبريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء ولا يشمت العدو ولا يحزن الصديق بل لو فرض تخلف هذه الصفة عن الدفن المانع من ظهور الجسد عادة عند طرو ما يتصور من الطواري المتعارفة للزم مراعاتها لكونها بنفسها الفوائد المقصودة بالدفن كما يشهد بذلك مضافا إلى الرواية المتقدمة تصريح جملة من الاعلام به بل عن غير واحد منهم دعوى الاجماع عليه ففي المدارك قد قطع الأصحاب وغيرهم بان الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الانس ريحه وعن السباع بدنه بحيث
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»