بفتاوى الأصحاب المعتضدة بالاجماعات المحكية دليلا وجابرا لما في الروايتين من قصور الدلالة والسند فيرفع اليد بها عما يقتضيه اطلاق بعض الأخبار المتقدمة فليتأمل وكيف كان فلا فرق بين ان يكون رجلا أو امرأة في أنه يستحب ان ينقله في ثلاث دفعات بان يضعه قريب القبر بعد نقله أولا ثم يضعه ثانيا عند القبر هنيئة ثم ينقله إلى قبره في المرة الثالثة كما يدل عليه ما رواه الصدوق في العلل قال بعد نقل رواية محمد بن عجلان المتقدمة وفى حديث اخر إذا اتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ من هول المطلع ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر وعن الفقه الرضوي وإذا حملت الميت إلى قبره فلا تفاجئ به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر ويدخله القبر من يأمره الولي ان شاء شفعا وان شاء وترا انتهى وكان المراد بما في ذيل العبارة التعريض على ما حكى عن الشافعي من استحباب ان يكون عدد من ينزل القبر وترا خلافا لما حكى عن أصحابنا من كون الولي مختارا في تعيين العدد كما في العبارة المزبورة ويدل عليه أيضا رواية أبى مريم الأنصاري الواردة في دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وينبغي ان يرسله إلى القبر سابقا برأسه ان كان رجلا بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه والظاهر أنه هو المراد بما في الأخبار المستفيضة التي تقدم بعضها الامرة بسل الميت في قبره سلا من قبل رجليه هذا في الرجل واما المرأة فترسل عرضا كما يدل عليه مضافا إلى نقل الاجماع عليه مستفيضا رواية الأعمش وعبارة الفقه الرضوي والمتقدمتان ومرفوعة عبد الصمد بن هارون عن الصادق (ع) إذا أدخلت الميت القبر ان كان رجلا فسله سلا والمرأة تؤخذ عرضا فإنه استر وخبر عمر وبن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال يسل الرجل سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها وينبغي ان ينزل من يتناوله حافيا وينزع ردائه ويكشف رأسه يحل ازراره كما يدل عليه خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال لا ينبغي لاحد ان يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحلل ازرارك قال قلت والخف قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية ورواه الشيخ عن المسمعي مثله وزاد ليجهد في ذلك جهده وخبر علي بن يقطين قال سمعت أبا الحسن موسى (ع) يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ولا الحذاء والطيلسان وحلل ازرارك وبذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله جرت وفى العلل روى عن ابن أبي عمير مثله وزاد قلت فالخف قال لا أرى به بأسا قلت لم يكره الحذاء قال مخافة ان يعثر برجله فيهدم * (أقول) * يظهر وجه نفى البأس عن الخف في هذه الرواية من خبر الحضرمي المتقدم كما أنه يستشعر من رواية سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (ع) قال لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة قلت فالخف قال لا بأس بالخف فان في خلع الخف شفاعة حيث يستشم منها كون خلع الخف خلاف المتعارف عند العامة * (ثم) * انه لو قيل بكراهة فعل الأشياء المذكورة في الروايات لا استحباب تركها كما هو ظاهر المتن وغيره لكان أوفق بظواهر النصوص اللهم الا ان يستشم ذلك من قوله (ع) في خبر على وبذلك جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله بل وكذا بل وكذا من تعليل ترك خلع الخف في رواية ابن عميرة بان فيه شناعة فليتأمل وكيف كان فالامر في ذلك سهل وأسهل منه دفع ما قد يتوهم من ظهور بعض تلك الأخبار في الحرمة بعد مخالفتها للاجماع ظاهر أو أظهرية أغلب الاخبار في كون تركها من السنن التي لا بأس في مخالفتها مضافا إلى خبر إسماعيل بن بزيع قال رأيت الحسن (ع) دخل القبر ولم يحل ازراره ويكره ان يتولى ذلك أي الانزال في القبر الأقارب في الرجل كما صرح به غير واحد بل في الحدائق ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وهذا هو العمدة في مستند الحكم بعد البناء على المسامحة والا فاثباته بالنسبة إلى ما عدا الأب بالاخبار مشكل واما الأب فيدل على كراهة دخوله في قبر ولده مطلقا جملة من الاخبار ففي رواية البختري وغيره عن أبي عبد الله (ع) يكره للرجل ان ينزل في قبر ولده ورواية عبد الله بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل في قبر الوالد ولده ورواية محمد بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال الوالد لا ينزل في قبر ولده والولد ينزل في قبر والده ورواية عبد الله بن عنبري قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يدفن ابنه فقال لا يدفنه في التراب قلت فالابن يدفن أباه قال نعم لا بأس وعن عبد الله بن راشد قال كنت مع أبي عبد الله (ع) حين مات إسماعيل ابنه فانزل في قبره ثم رمى بنفسه على الأرض مما يلي القبلة ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بإبراهيم ثم قال إن الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل في قبر ولده وعن محمد بن خالد قال لما مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله (ع) إلى القبر ارسل نفسه فقعد على حاشية القبر ولم ينزل في القبر وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بإبراهيم ولده وعن علي بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن موسى (ع) قال في حديث لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يا علي انزل فالحد ابني فنزل علي (ع) فالحد إبراهيم في لحده فقال الناس انه لا ينبغي لاحد ان ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله انه ليس عليكم بحرام ان تنزلوا في قبور أولادكم ولكني لست امن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده ان يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يهبط اجره ثم انصرف وهذه الأخبار كما تريها أغلبها مصرحة بنفي البأس في الولد ولذا حكى عن ابن سعيد استثنائه من الحكم المذكور وعن المنتهى
(٤١٨)