موجبة للوثوق بصدق ما ادعاه جماعة من الاجماع على هذه الكلية هذا مع أن مغروسيتها في أذهان المتشرعة من أقوى شواهد صدقها بل كادت تلحقها بضروريات المذهب فيكون معقد اجماعهم كمتن خبر معتبر يجب الرجوع إلى عمومه في مواقع الشك وربما يدعى ان الأصل في الدم مطلقا النجاسة الا ان يثبت خلافه فالدم المخلوق اية وان لم يكن دم حيوان محكوم بنجاسته و استدل لذلك باطلاق بعض معاقد الاجماعات المحكية على نجاسته الدم مطلقا عدا دم مالا نفس له والمتخلف في الذبيحة وباطلاق النبوي صلى الله عليه وآله يغسل الثوب من المنى والدم والبول وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب ولكنك خبير بانصراف الاطلاق عن مثل الدم المخلوق اية وما يقال من أن منشأه ندرة الوجود فلا اعتداد به مدفوع بان منشأه عدم معهودية مثل هذا الدم فلا ينصرف إليه الاطلاق الا ترى فرقا واضحا بين انصراف الاطلاق عن دم حيوان ذي نفس لم يعهد وجوده كالزرافة والعنقاء وانصرافه عن مثل هذا الدم فان الأول انصراف بدوي ولذا لا نشك في نجاسته بخلاف الثاني هذا مع أنه لا يسمع دعوى الاجماع من مدعيه على العموم على وجه عم مثل الفرض بعد ما نشاهد منهم الاختلاف في بعض الموارد لأجل التشكيك في كونه من دم ذي النفس بل بعض نقلة الاجماع استدل لنجاسته دم العلقة بكونه دم ذي النفس فيكشف ذلك عن أن اطلاق كلامهم مصروف إلى دم ذي النفس واما النبوي فهو ضعيف السند لم يعلم استناد الأصحاب إليه حتى يكون جابرا لضعفه واما الموثقة فهي مسوقة لبيان حكم اخر كغيرها من الأخبار المتقدمة وسيأتي مزيد توضيح لذلك فيما بعد انشاء الله فظهر ان الأظهر في مثل الدم المخلوق اية كالنازل من السماء أو الخارج من الشجر ونحوهما مما لا يكون فكونه من الحيوان الطهارة للأصل هذا مع أن في كونه مصداقا حقيقيا للدم تأملا واما دم العلقة فلا ينبغي التأمل في نجاسته وما عن بعض من التشكيك فيها نظرا إلى انصراف دم ذي النفس إلى غيره مما يعد من اجزائه الأصلية ضعيف فإنه كدم الحيض والنفاس يعد عرفا من دم ذي النفس ولو سلم انصراف اطلاق دم ذي النفس في معاقد الاجماعات إلى غيره فهو غير مجد فان المتأمل في كلماتهم لا يكاد يشك في ارادتهم العموم على وجه يشمل جميع الافراد هذا مع ما عن الخلاف من دعوى الاجماع عليه واضعف من ذلك ما عن بعض اخر من التشكيك في موضوعه بابداء احتمال كونه مهية أخرى شبيهة بالدم فإنه احتمال يكذبه العرف واما الدم الذي يوجد في البيضة ففي نجاسته تردد لا لما احتمله بعض من عدم كونه دما فإنه مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد شهادة العرف بكونه مصداقا حقيقيا للدم بل لقصور الأدلة عن اثبات عموم يتمسك به في المقام فمقتضى الأصل طهارته لكن الذي يصرفنا عن الاعتماد على الأصل غلبة الظن بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة والتجنب عنه مطلقا عدا ما ثبت طهارته كما يشهد بذلك سوق عبارة السائلين وأجوبة الأئمة (ع) في كثير من الأخبار الواردة لبيان احكام الدم ويشعر به بعض الأخبار التي ورود فيها السؤال عن حكم دم البراغيث ونحوها كخبر محمد بن ريان قال كتبت إلى الرجل هل يجرى دم البق مجرى دم البراغيث وهل يجوز لاحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلى فيه وان يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقع (ع) يجوز الصلاة والطهر منه أفضل وغير ذلك من الروايات التي يستشعر منها ذلك وانما رجعنا إلى حكم الأصل من غير ووسوسة في مثل المخلوق اية لعدم معهودية ضعفه ومما يؤيد أيضا نجاسته خصوص ما في البيضة مغروسيتها في أذهان المتشرعة فلو لم يكن القول بالنجاسة أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم إن في المقام اخبارا ربما يستظهر منها طهارة دم الرعاف وغيره من بعض أصناف الدم لكنها قابلة للتوجيه القريب منها رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال سمعته يقول لو رعفت ذروفا ما زدت على أن امسح منى الدم واصلي وهى مع ضعف سندها بحسب الظاهر مسوقة لبيان عدم انتقاض الوضوء بالرعاف لا لبيان كفاية مسحه مطلقا حتى ينافيه نجاسته فلا مانع من تنزيلها على ما إذا لم يتجاوز الدم عما حول الانف بحيث يزيد عن سعة الدرهم حتى يمنع من الدخول في الصلاة ويحتمل بعيدا ان يكون مسحه كناية عن تنظيفه وتطهيره كما أن هذا هو المراد بحسب الظاهر من الانقاء في حسنة الوشا قال سمعت أبا الحسن (ع) يقول كان أبو عبد الله (ع) يقول في الرجل يدخل يده في انفه فيصيب خمس أصابعه الدم قال ينقبه ولا يعيد الوضوء إلى غير ذلك من الاخبار التي لا يخفى توجيهها على من لاحظها بل لا ظهور لها في المدعى حتى يحتاج إلى التوجيه فلا يهمنا التعرض لها خصوصا مع تعين طرحها على تقدير تسليم الدلالة وعدم قبولها للتوجيه بقي الكلام في الدم المتخلف في الذبيحة وهو في الجملة مما لا شبهة في طهارته بل لا خلاف ويشهد له مضافا إلى ذلك استقرار اليسرة على عدم التجنب عنه بل الضرورة قاضية بحلية اللحم المذكى وهو لا ينفك عن اشتماله على شئ من الدم بل يتعذر غالبا تخليصه منه الا ببعض المعالجات التي علم بالضرورة من الشرع عدم اعتبارها الا ترى ذلك بعد المبالغة في غسله تجده يتقاطر منه ماء احمر فكلما دل على حلية اكل اللحم بدون هذه المبالغات دل على حلية ما يتضمنه من الدم وهى أخص من طهارته كما هو واضح وما عن شارح الدروس من المناقشة في اقتضاء هذا الاستدلال طهارة ما تخلف فيه من الدم بعد بروزة بقوله قد يقال إنه إذا خرج منه دم يحكم بنجاسته وإذا لم يخرج ولم يظهر طاهر ان كان في اللحم ولا يصدق معه حينئذ إذا اكل في ضمن لحمه اكل الدم بل هو اكل السمك حينئذ بخلاف ما إذا خرج ولا تحكم لان الاحكام تدور مدارا الأسماء ويختلف الاسم قبل الخروج وبعده انتهى في غير محلها لأن اطلاق السمك على المجموع لا يوجب عدم كون ما تضمنه من الدم مصداقا لمفهومه بل العرف يشهد بكون السمك
(٥٤١)