مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٨١
عن مساورة الناس ولزوم بطلان جل العبادات المشروطة بالطهور أو كلها لأن الاشكال انما نشأ من فرض العلم بتحقق النجاسة كما يدعيه الخصم لا من شيوع الابتلاء بها في الواقع مع الجهل كغيره من المحرمات التي نعلم اجمالا بابتلاء غالب المكلفين بها ونحتمل كون ما نبتلى به من جملتها فإنه لا يجب التجنب عما نبتلى به ما لم يكن في خصوصه علم تفصيلي أو اجمالي بلا شبهة كما هو واضح فظهر بما ذكرنا انه لا يمكن التخلص عن الاشكال بمثل هذه التوجيهات كما أنه لا يمكن التفصي عنه بانكار حصول العلم لآحاد المكلفين في موارد ابتلائهم لكونه مجازفة محضة لولا ابتنائه على الاغماض والمسامحة وقد أشرنا انفا إلى عدم امكان الالتزام بثبوت النجاسة واقعا في مثل هذه الموارد التي جرت السيرة على عدم التجنب عنها وارتفاع التكليف عنها لمكان الحرج لاستلزامه مفاسد كثيرة لا يمكن الالتزام بشئ منها كتجويز الوضوء والغسل بالماء النجس أو مع نجاسة البدن مع التمكن من التيمم أو تطهير البدن وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل وغاية ما يمكن ان يقال في التفصي عن هذه الشبهة وسابقتها هو ان الموارد التي استقرب فيها سيرة المتشرعة على عدم التجنب عن ملاقيات المتنجس بالوسائط والمسامحة في امرها ليست الا الموارد التي يكون الاجتناب عنها نوعا موجبا للحرج بل مؤديا إلى اختلال النظام ولامانع من التزام بنفي الأثر للملاقاة في مثل هذه الموارد وثبوت العفو عنه وضعا وتكليفا لمكان الحرج وشهادة السيرة بذلك ولا يبعد ان يكون اطلاق كلمات الأصحاب القائلين بكون المتنجس منجسا منزلا على غير هذه الموارد فليتأمل الشبهة الثالثة دلالة الأخبار المعتبرة التي أشار إليها المحدث الكاشاني في عبارته المتقدمة على عدم السراية * (منها) * موثقة حنان بن سدير قال سمعت رجلا يسئل أبا عبد الله عليه السلام فقال إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك على فقال إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك ورواية حكم بن حكيم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فامسحه بالحائط أو التراب ثم تعرق يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال لا بأس * (ورواية) * سماعة قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام انى أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجيئ منى البلل ما يفسد سراويلي قال لا بأس ويحتمل قويا جرى هذه الرواية الأخيرة مجرى التقية وصحيحة العيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه قال يغسل ذكره وفخذيه وسئلته عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب ثوبه يغسل ثوبه قال لا وربما يستدل بصدر هذه الصحيحة على القول المشهور * (وفيه) * مالا يخفى بعد التصريح بعدم غسل الثوب في ذيلها واحتمال كون الواو في صدرها حالية أو كون الامر بغسل الفخذين لرعاية الاحتياط بملاحظة غلبة بقاء جزء من البول على رأس الحشفة أو خروجه بعد المسح وغير ذلك من الاحتمالات المانعة من صلاحية معارضة الصدر لظهور الذيل في نفى الوجوب * (ويمكن) * الاستدلال له أيضا بجملة من الاخبار التي لا يهمنا الإطالة في ايرادها وما يظهر من بعض من انكار ظهور هذه الأخبار في المدعى بابداء احتمالات بعيدة مجازفة محضة * (نعم) * يتوجه على الاستدلال بمثل هذه الروايات انها اخبار آحاد قابلة للطرح والتأويل وقد اعرض الأصحاب عن ظاهرها فيجب رد علمها إلى أهله ولا يجوز رفع اليد بواسطتها عن الحكم الذي انعقد الاجماع عليه كما هو واضح ومما يقرر الشبهات ويؤكدها خلو الاخبار من التعرض لهذا الحكم مع قضاء العادة بأنه لو كان المتنجس منجسا على الاطلاق لشاع التصريح به وبلوازمه في الاخبار ولكان من أهم المسائل التي يسئل عنها الرواة ما يتفرع على هذه المسألة مع انا لم نجد في الاخبار ما وقع فيها السؤال عن حكم ملاقيات المتنجس عدا الاخبار التي تقدم بعضها الدالة على نفى البأس عنها ودعوى ان مغروسية الحكم في أذهانهم أغنتهم عن المسألة عن فروعها * (مدفوعة) * بما نشاهد من حال العوام من أنهم مع مغروسية السراية في أذهانهم لا زالوا يسئلون عن فروعها التي يبتلون بها وكيف لامع ان كثيرا من فروعها العامة الابتلاء مما يتحير فيها العقول فخلو الاخبار من عن التصريح بهذا الحكم وعدم تعرض السائلين للسؤال عن فروعها التي يعم الابتلاء بها ربما يورث القطع بعدم تحققه وعدم كون امر النجاسة لديهم بهذه المرتبة من الضيق المعروفة عندنا والانصاف ما قررناه من الشبهات وان أمكن التفصي عنها في الجملة ببعض التقريبات التي تقدمت الإشارة إليها لكنها مانعة من حصول القطع بمقالة المعصوم واستكشاف رأيه من اتفاق العلماء بطريق الحدس خصوصا مع وهن الاجماع بمخالفة السيد والحلي فإنه قد تمنع مخالفتها من حصول الوثوق بمعروفية الحكم في عصرهم كمعروفيته في هذه الاعصار فيغلب على الظن استقرار المذهب عليه في الأعصار المتأخرة عن عصر الشيخ فلا يلزمه عادة وصول الحكم إليهم يدا بيد عن المعصوم أو عثورهم على دليل معتبر غير ما بأيدينا من الأدلة لامكان اتكال جلهم على قاعدة اللطف التي لا نقول بها و * (كيف) * كان فقد أشرنا في صدر العنوان إلى انا لا نقول بحجية اتفاق العلماء من باب السببية أو الطريقية التعبدية وانما نقول بحجية لكونه موجبا للقطع بمقالة المعصوم فمن حصل له القطع بذلك فلا اعتراض عليه ومن لم يحصل له القطع به فليس له اتباع المجمعين وكون اجماعهم سببا عاديا للقطع غير مجد بعد فرض التخلف في خصوص المورد * (نعم) * لو اعتمدنا على قاعدة اللطف أو قلنا بحجية نقل الاجماع تعبدا لم يكن مناص عن الالتزام بكون المتنجس منجسا فيما لم يكن منافيا لما استقرت عليه السيرة العملية ومؤديا إلى الحرج الموجب لاختلال النظام لكنا لا نقول بشئ منهما ولم نجد من أنفسنا الجزم بمقالة المعصوم ولذا
(٥٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 ... » »»