مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٧٩
من قبيل المقتضيات ربما يمنعها من التأثير بعض الموانع المكتنفة بها وحيث انا نفينا الملازمة العقلية واعتمدنا على الملازمة العادية لم يجز لنا اتباعهم في الموارد التي لم يحصل لنا القطع بالموافقة بواسطة بعض الأمور المنافية للحدس القطعي كمعلومية مستند المجمعين أو العثور على ما يحتمل استنادهم إليه أو غير ذلك من الأمور المانعة من القطع وكونه نوعا سببا عاديا للقطع ولو في خصوص المورد بالنسبة إلى نوع المكلفين غير مجد بالنسبة إلى الشخص الذي لم يحصل له القطع لما أشرنا إليه من أنه لا دليل على اعتباره من باب التعبد وانما يدور حجية مدار صفة القطع فليس لأحد الزام المحدث الكاشاني وغيره ممن انكر السراية بمخالفته للاجماع ضرورة انه لم يحصل له القطع بالحكم من اتفاق العلماء والا لتبعهم فان القاطع مجبول على اتباع قطعه كما هو واضح نعم قد يتوجه على من يخالف الاجماع ويتفرد بالقول الطعن باعوجاج السليقة وانحراف الطريقة لكنه غير مجد في جواز اتباعهم ما لم يعتقد المخالف انحرافه عن الطريقة في خصوص المورد هذا مع أن الطعن في غير محله إذا كان تردده في الحكم ناشيا عن التفاته إلى أسباب عقلائية موجبة للتشكيك كما في نحن فيه فان في المقام شبهات لابد اما من حلها أو الالتزام بعدم السراية * (الأولى) * انه لو كان المتنجس منجسا مطلقا كما هو معقد اجماعاتهم المحكية للزم نجاسة جميع ما في أيدي المسلمين وأسواقهم ولتعذر الخروج من عهدة التكليف بالتجنب عن النجس والتالي باطل بشهادة العقل والنقل فكذا المقدم بيان الملازمة انا نعلم أن أغلب الناس لا يتحرزون عن النجاسات ويخالطون غيرهم فيستوى حال الجميع لقضاء العادة بأنه لو لم يتحرز شخص ولو في أقصى بلاد الهند من نجاسته في قضية واحدة وخالط الناس لسرت النجاسة إلى جميع البلاد بمرور الدهور إلى أن استوعبت ووصلت إلى بيوتنا فضلا عن أن جميع من في العالم عدا من شذ منهم لا يتحرزون عن النجاسات فمقتضاه ان يكون لكل شئ مما في أسواق المسلمين من مثل الدهن والسمن مما نبتلى به بل لكل شئ مما بأيدينا من أثاث بيوتنا أسباب لا تتناهى لنجاسته وربما اعترف جملة من الناس بعلمه بنجاسة جميع ما يصنع من المطعوم والمشروب ونحوهما في أسواق مثل بغداد من البلاد التي يختلط فيها الخاصة والعامة واليهود والنصارى وغيرهم ولا يتحرز بعضهم عن مساورة بعض وغفل عن انه إذا أمعن النظر لرأى عدم الفرق بينه وبين أثاث بيته ولذا ترى جل الاشخاص الملتفتين إلى بعض هذه المقدمات لا زال يصرحون بأنه لولا البناء على الاغماض والمسامحة في امر النجاسة لتعذر الخروج من عهدة التكليف بالاجتناب عنها ومن ابتلى بتربية طفل غير مميز أو ابتلى في واقعة بنجاسة غفل عن تطهيرها ولم يتفطن الا بعد أن خالط الناس لاذ عن بذلك من غير أن يحتاج إلى تمهيد مقدمات بعيدة ومن زعم أن هذه الأسباب لا تؤثر في حصول القطع لكل أحد بابتلائه في طول عمره بنجاسة موجبة لتنجيس ما في بيته من الأثاث مع اذعانه بان اجماع العلماء على حكم يوجب القطع بمقالة المعصوم لكونه سببا عاديا لذلك فلا أراه الا مقلدا محضا لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادي المحسوس فضلا عن أن يكون من أهل الاستدلال فلا ينبغي الارتياب في أنه لو سرت النجاسة بالوسائط لعمت على وجه يتعذر التجنب عنها فضلا عن أن يكون منافيا لعمومات نفى الحرج والتوسعة في الدين ودعوى ان أدلة نفى الحرج ونحوها لا تنفي السراية في الفرض وانما تنفى التكليف بالاجتناب عن النجس في مواقع الحرج فلا مانع من الالتزام يكون ما بأيدينا نجسا معفوا عنه فاسدة جدا لا يهمنا الإطالة في ابطالها فالحق ان هذه المرتبة من السراية مما لا يمكن الالتزام به ويشهد لبطلانه مضافا إلى ما عرفت رواية أبي الجارود قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا تأكله الحديث فإنه لو كانت النجاسة سارية بالوسائط لكان جعل الميتة في الجبن في مكان واحد سببا عاديا لتحريم جميع ما في الأرض فلم يكن وقع لاستيحاش الإمام (ع) من ذلك * (الثانية) * استقرار سيرة المتشرعة خلفا عن سلف على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات المتنجس في مقام العمل بحيث لو تعدى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات بان اجتنب مثلا عن أبنية البلاد معللا بان من عمرها استعمل في تعميرها الأدوات والآلات التي لا زال يستعملها في تعمير الكيف من غير أن يطهرها أو اجتنب عن مساورة شخص معتذرا بان هذا الشخص يساور أشخاصا لا يزالون يساورون الكفار ويباشرون الأنجاس يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس ويرونه منحرفا عن الطريقة المعروفة عندهم في اجتناب النجاسات مع أنه ربما يتشبث في اثبات مطلبه بمقدمات محسوسة لا ينكرها عليه أحد ولو أرادوا انكار شئ من مقدماته يتشبثون باحتمالات سوفسطائية مما لا يعتنى به غافل في شئ من حركاته وسكناته وربما ينقضون عليه بما هو أيده نجاسته من ذلك ويقولون إذا تجتنب عن ذلك لم لا تجتنب عن الأجناس المنقولة من بلاد الكفر من المايعات والجوامد المصنوعة فيها أو لا تجتنب عن الدهن المشترى من أهل السواد الذين لا يتحرزون عن النجاسات أو نحو ذلك فهذه السيرة العملية تكشف عن عدم معهودية الاجتناب عن مثل هذه الأمور في الشريعة من صدر الاسلام بل المتأمل في الاخبار وغيرها من الامارات لا يكاد يرتاب في ذلك ولو مع قطع النظر عن السيرة بل لا مجال للتشكيك في أن امر النجاسة لو لم يكن في عصرا الأئمة (ع) أوسع مما بأيدينا لم يكن أضيق من ذلك إذا عرفت ذلك فنقول هذا النحو من المسامحة وعدم الاعتناء بالمقدمات البديهية الانتاج ينافي اطلاق السراية وعموم وجوب الاجتناب عن كل نجس إذ لا يعقل ان يجعل الشارع ملاقاة المتنجس سببا للتنجيس
(٥٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 574 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 ... » »»