مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٨٢
أشكل علينا تأويل الأخبار المتقدمة أو طرحها من غير معارض مكافى ومع ذلك لا تقوى على مخالفة الأصحاب والاستبداد بما نراه في مثل هذا الحكم الذي ربما يدعى كونه ضروري المذهب فالحكم عندي موقع تحير وتردد ولا جرأة لي في التخطي عن الطريقة المعهودة لدى المتشرعة المعتدلى الطريقة الذين لا يعدون من أهل الوسواس وان صعب على تصور مناطه والاذعان به ولم يترجح بنظري بالنظر إلى ما يقتضيه القواعد الاجتهادية الا ما تقدمت حكايته عن الحلي ولو سبقنا بعض مشائخنا المتأخرين إلى انكار اطلاق كون المتنجس منجسا لحرمت بذلك إذ ليست مخالفة الأصحاب في هذه المسألة بأشكل من مخالفتهم في مسألة نجاسة البئر بل كانت مخالفتهم في تلك المسألة أشكل بمراتب لوضوح معروفية نجاسة البئر لدى المخالف والمؤالف من عصر الأئمة (ع) ومغروسيتها في أذهان الرواة وغيرهم من العلماء ومقلديهم دائرة على ألسنتهم وفى جميع كتبهم الفقهية حتى ارتكزت في نفوس العوام على وجه لم يذهب اثرها إلى الان ولذا كثيرا ما يسئلون في موارد ابتلائهم عن حكم بئر ماتت فيها فارة أو دجاجة أو غيرهما زاعمين نجاستها بذلك مع أن القول بها على ما يظهر من بعض قد نسخ منذ سنين مطاولة ربما تزيد عن ثلاث مأة سنة واما هذه المسألة فلم نعثر على ما يشهد بمعروفيتها على الاطلاق لدى المتشرعة في عصر الأئمة عليهم السلام بل ولا بين العلماء في الطبقة الأولى بل قد أشرنا فيما تقدم إلى أنه ربما يشهد خلوا الاخبار سؤالا وجوابا عن التعرض لهذا الحكم ولفروعه بعدم معروفيته لدى الرواة كما يشعر تعرض الحلي التفصيل مواقع السراية وانكار السيد لها رأسا على ما يقتضيه ظاهر عبارته المتقدمة بعدم كونها في عصرهم كما نراها في هذه الاعصار من المسلمات وربما يستشم ذلك أيضا من عبارة الإسكافي الآتية في الفرع الآتي فمخالفتهم في هذه المسألة أهون ولكن منعتنا من ذلك وحشة الانفراد وكثرة عثرات المستبدين بآرائهم ولنعم ما قيل إن مخالفة المشهور مشكلة و موافقتهم من غير دليل أشكل والله العالم بحقايق احكامه وتجب بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدمي عند وجوب ذيها أصلا أو عارضا لا للوجوب النفسي كما لا يخفى على المتأمل في أدلته من النصوص والفتاوى إزالة النجاسات العينية والحكمية مع الامكان عن الثياب عدا ما ستعرف استثنائه من القلنسوة ونحوها وعن ظاهر البدن للصلاة الواجبة والمندوبة بلا خلاف فيه في الجملة والأخبار الدالة عليه في غاية الكثرة فان من اظهر احكام النجاسات الشايعة في النصوص والفتاوى هو هذا الحكم ولو كانت النجاسة ملاصقة لها مع عدم تأثرها لم تجب الإزالة الا إذا منعنا من حمل النجاسة كما سيأتي وقليل النجاسة ككثيرها عدا الدم الذي ستعرف العفو عما دون الدرهم منه بلا خلاف فيه على الظاهر عدا ما حكى عن الإسكافي من أنه قال كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها مجمعة أو متفرقة دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب بذلك الا ان يكون النجاسة دم حيض أو ميتا فان قليلهما وكثيرهما واحد انتهى وظاهره عدم حصول النجاسة بالمقدار المذكور لا العفو وعلى ان تقدير فلا يبعد ان يكون مستنده دعوى استفادته مما ورد في الدم نظرا إلى ما جرت سيرة الأصحاب بواسطة معروفية المناط لديهم على استفادة احكام مطلق النجاسات من الأخبار الخاصة الواردة في بعضها والا فلم يعرف له مستند كما اعترف به غير واحد وكيف كان فهو ضعف جدا محجوج باطلاق النصوص والفتاوى بل صريحهما ففي خبر الحسن بن زياد قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلى ثم يذكر بعد انه لم يغسله قال يغسله ويعيد صلاته و خبر ابن مسكان قال بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلى ويذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها قال يغسلها ويعيد صلاته ويدل عليه أيضا في بول الانسان وفى بول غيره وفى غير البول أيضا كالملاقي للكلب والميتة والخمر والفقاع وغيرها جملة من الأخبار المطلقة واما المني فيدل على عدم الفرق بين قليلة وكثيره مضافا إلى اطلاقات الأدلة وعدم الخلاف فيه حتى من الإسكافي خصوص خبر سماعة قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله إذا خفى عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا ويدل عليه بالخصوص في دم الحيض رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أو أبي جعفر (ع) قال لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب ان رآه أو لم يره سواء ونظير قول الإسكافي في الضعف ما حكى عن السيد من العفو عن البول إذا ترشش عند الاستنجاء مثل رؤس الإبر فإنه أيضا مع مخالفته للاطلاقات يرده خصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن رجل يبول بالليل فيحسب اصابه ولا يستيقن فهل يجزيه ان يصب على ذكره إذا بال ولا يتنشف قال يغسل ما استبان انه قد اصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ويتنشف قبل ان يتوضأ وخبري الحسن وابن مسكان المتقدمين الا ان يدعى انصراف الخبرين عن مثل الفرض فليتأمل والمراد بالثياب التي يجب إزالة النجاسات عنها مطلق ما يلبسه المصلى عدا ما ستعرف استثنائه وان لم يندرج في مسماها بل لافى مسمى الملبوس عرفا فتشمل مثل قطعة كرباس أو جلد أو حصير ونحوها إذا تلبس بها المصلى وتستر بها وكيف كان فالمعتبر في الصلاة انما هو طهارة ما يصلى فيه مما يلبسه المصلى سواء صدق عليه عرفا اسم اللباس والثوب أم لا ووقوع التعبير بالثوب في معظم النصوص والفتاوى المانعة من الصلاة في النجس بحسب الظاهر اما من باب التمثيل أو للجرى مجرى العادة في مقام التعبير فان من تدبر
(٥٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 ... » »»